رضا مقدم* الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد وضع خطط مشروع سوق الأوراق المالية الأوروبية الموحدة على الرف بسبب إخراج لندن من المعادلةفي الماضي القريب- عندما كان انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي عام 2015 لا يزال فكرة مستبعدة- كانت هناك جهود تبذل على مستوى الاتحاد لإنشاء مشروع طموح جدا، هو سوق الأوراق المالية الأوروبية الموحدة.ففي ظل اعتماد الشركات الأوروبية خاصة الكبرى منها، اعتمادا مصيريا على نظام مصرفي يحتضر، كان الهدف من المشروع توسيع دائرة الاستفادة من أسواق المال. وكان الهدف من السوق الموحد المذكور، السماح لعدد أكبر من الشركات الأوروبية الوصول إلى سوق مال جاهز في متناول الجميع ومقره لندن. ولهذا كثر التحرك على عدد من الصعد، مثل تسريع التناغم بين قوانين الإفلاس في الدول الأعضاء وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات، وطرح أسهمهما على الاكتتاب العام الأولي.إلا أن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد وضع خطط مشروع سوق الأوراق المالية الأوروبية الموحدة على الرف بسبب إخراج لندن من المعادلة. وبما أن بريطانيا سوف تغادر المنظومة الأوروبية الموحدة فإن «العبور» السهل الذي تستخدمه الشركات العاملة في لندن في مجال الخدمات المالية في خدمة عملائها في دول الاتحاد سوف يزول.ومن الواضح أن بنوك الاستثمار التي تقدم طائفة من الخدمات لعملائها مثل التمويل والتداول والأوعية الاستثمارية باتت مطالبة بنقل عملياتها إلى مدن غير العاصمة البريطانية مثل فرانكفورت وباريس ودبلن.ومن غير الواضح ما إذا كانت بيوت تمويل أخرى مثل الصناديق التقاعدية وصناديق الثروات السيادية وشركات التأمين سوف تنقل مراكزها الرئيسية من لندن قاصدة مدناً مثل أمستردام في هولندا ولوكسمبورغ عاصمة الاتحاد الأوروبي. وكل هذه المدن حاليا تبذل قصارى جهدها لجذب تلك المؤسسات المالية سواء بكل أطيافها أو ببعضها فقط.وبمعنى آخر فإن تشظي سوق المال الأوروبي قائم حاليا على قدم وساق، ما يترك تبعات ارتدادية على كفاءته وعلى التكلفة،يضاف إلى ذلك أن كل بيئة تشريعية لها هيئة تنظيمها الخاصة بأسواق المال وتأويلاتها الخاصة للنصوص القانونية الناظمة لعمل المؤسسات المالية. ومثل هذه القضايا لم تكن تطفو على السطح حتى اليوم في ظل وجود بيئة لندن التي وفرت تناسقا قانونيا بين مختلف العمليات تحت مظلة سلطة تنظيم الأسواق البريطانية. «برودانشال ريجيوليشن» لكن ذلك سوف يتغير بعد انفصال بريطانيا رسميا، ما يفرض تحديات جمة على صعيد الكفاءة والاستقرار.فهل يكون الخلاص في سوق مال موحدة؟ لا شك أن توحيد أسواق المال الأوروبية بحاجة لموحد. ومثلما كانت «هيئة الإشراف العليا» البيئة التشريعية التي ساعدت على توحيد القطاع المصرفي، يمكن لهيئة توحيد أسواق المال أن توفر الكثير من العناء فيما يتعلق بالعقبات السياسية وانتقال الودائع عبر الحدود. وفي واقع الأمر هناك جسم تنظيمي قائم فعلا ممثل في هيئة أسواق الأسهم والأوراق المالية الأوروبية.وتتولى هيئة توحيد أسواق المال التي تتمتع بصلاحيات تفوق صلاحيات الهيئات الفرعية، مسؤولية الإشراف على التطورات التي تطرأ على أسواق المال. كما تضمن تطبيق قانون أدوات الاستثمار الأوروبي، الذي يوفر تناغما قانونيا بين مختلف خدمات الاستثمار، بشكل دقيق في كافة أسواق المال الأوروبية المنضوية تحت مظلة السوق الموحدة.وأخيرا لا يوجد ما يبرر عدم انضمام بريطانيا لهيئة تنظيم هذا السوق الموحد الذي يمكن التفاوض حوله في إطار التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة الخاصة بالخدمات المالية. وربما توفر عضوية بريطانيا في السوق الموحدة مزيدا من الاستقرار واستمرارية سوق المال الأوروبية الموحدة.كما أنها يمكن أن تزيد مزية إضافية، وهي استمرار العمل بموجب القانون البريطاني المعمول بها حاليا في توثيق العقود فضلا عن منح أسواق المال الأوروبية فرصة الاستفادة من الخبرات البريطانية المتميزة في عالم الخدمات المالية.ربما تكون فكرة إنشاء سوق الأوراق المالية الأوروبية الموحدة رائعة، لكن المشروع يعاني مشاكل. وللتخلص منها لا بد من تنفيذ إصلاحات مالية جذرية في هيئات تنظيم بعض الدول الأعضاء ومنح بريطانيا مقعدا في هيئة توحيد السوق وتنظيمها. *نائب رئيس الصناديق السيادية في مورجان ستانلي