×
محافظة المنطقة الشرقية

رحيل الكاتب الكولومبي الشّهير غابرييل غارسيا ماركيز

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي   بعد أن نشرتْ صحيفة «الحياة» مقالة لي بعنوان: «السعودية دولة إسلامية لا علمانية»، جاءتني الكثير من الردود، منها المؤيد، ومنها المستنكر، ومنها الشاتم، سامحهم الله. ولكن مما لفت نظري في تلك الردود خلط بعضهم بين مصطلحي الديموقراطية والشورى. الأسئلة المشروعة التي يجدر طرحها: هل مفهوم الشورى في الشرع هو نفسه المفهوم الذي تحمله الديموقراطية؟ وهل النظام الديموقراطي ونظام الشورى في الإسلام هما بمنزلة واحدة أم أنهما يختلفان؟ ظهرت الديموقراطية بدايةً في الفكر السياسي والفلسفي الإغريقي. وعلى رغم أن العديد من الباحثين يعدون الديموقراطية الأثينية من أشكال الديموقراطية المباشرة، إلا أنها كانت في الواقع جزأين مستقلين: ديموقراطية المختارين، وديموقراطية العامة. تعريف الديموقراطية بمفهومها البسيط هي سلطة الشعب. وتتكون من شقين: ديموس: وقراطس، وتعني حكم الشعب بالشعب للشعب. وهذا المفهوم يتعارض مع الشرع، لقوله تعالى: (إن الحكم إلا لله)[يوسف:40]. بل ويعني أن التشريع الإلهي غير عادل. الشورى هي الأساس الثاني من أسس النظرية الإسلامية في الحكم، وتعدّ سمة نظام الحكم الإسلامي وإحدى دعائمه الأساسية. وترتبط بالعقيدة ارتباطاً وثيقاً. وهي صورة من صور المشاركة في الحكم، تستمد جذورها من أصول الدين وجذوره. ويستنبط من قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[آل عمران:159] أنها أمر من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يشاور أصحابه. وإن اختلف العلماء فى الأمر للوجوب، فقال: بعضهم بأن الشورى واجبة، ولكنهم أجمعوا أنها مستحبة. وأن هذه المشاورة منهم له هي رحمة من الله - تعالى - واصطفاؤه بالأخلاق الفاضلة. فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكلفاً بالشورى من الله، فغيره من أولياء أمور المسلمين وخلفائهم أولى بذلك قطعاً. الواقع إن مسألة التزام الحاكم برأي أهل الشورى أو عدم التزامه برأيهم من المسائل التفصيلية التي تختلف باختلاف مدى تطور الشعب ومدى ممارسته الديموقراطية والحرية. الشورى مصطلح أعم وأشمل من الديموقراطية. فالشورى بمعناها الواسع تشمل جميع صور التشاور، سواء أكان خاصاً يستفاد من خبير في شأن ما أم في قرار سياسي أو فتوى فقهية. وهنا لا بد من أن نفرق بين الشورى والتشاور. فالمقصود بالشورى هو التشاور الذي يؤدي إلى قرار صادر من مجلس أو مجموعة في الشؤون العامة. فهو بهذا الصدد إلزامي ويأخذ برأي الغالبية طالما أنها لا تخالف الشرع. ومن الأمثل أن يكون أهل الحل والعقد مؤلَّفين من مجالس عدة، تمثل أهل الاختصاصات التي تحتاج إليها الأمة. يتفق الإسلام مع الديموقراطية من حيث إعطاء العامة حق إبداء الرأي ومشاورة الحكام للمحكومين، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم». وإذا كانت المشاورة هي استخراج الرأي، الذي يتأسس عليه العزم والقرار فلقد جعل الإسلام العصمة للأمة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجتمع أمتى على ضلالة»، لتطمئن القلوب إلى حكمة القرار وصوابه إذا كان مؤسساً على شورى الأمة في أمورها. تميز الشورى الإسلامية بين نطاقين من الأمر: أمر هو لله. أي تدبيره الذي اختص به سبحانه (ألا له الخلق والأمر)[الأعراف:54]. والأمر الآخر تدبير هو فى مقدور الإنسان، وفيه تكون شوراه (وأمرهم شورى بينهم)[الشورى:38]. إن التشريع الإلهي يغطي جميع جوانب حياة المسلم، التي منها تطبيق المساواة بين أفراد المجتمع وتحقيق العدالة. وكفل حق المواطن، سواء أكان مسلماً أم غير مسلم. وفيه مندوحة لتقديم الرأي والاستشارة. فيمكن لأهل الحل والعقد في النظام الشوري أن يدلوا بآرائهم ويعطوا استشارتهم. والمستشار حين يدلي برأيه ويعطي استشارته يراقب الله فيما يقول، فلا يقول بما فيه معصية، أو ما يؤدي إلى مفسدة. والشورى هي رجوع الحاكم أو القاضي أو آحاد المكلفين في أمر لم يُستَبن حكمه بنص قرآني أو سنة أو ثبوت إجماع إلى من يُرجى منهم معرفته بالدلائل الاجتهادية من العلماء المجتهدين. ما من شك أن الديموقراطية من واقع أنها اختراع بشري، هي نقيض للاستبداد، فالناس يختارون من يحكمهم، ولهم الحق في عزله، إن حاد عن المبادئ المرسومة المتفق عليها. ولكن من مساوئ طرائق الديموقراطية في الانتخابات هو أنه يمكن أن يكون المرشح الذي فاز في الانتخابات إنساناً فاسداً فاسقاً، اشترى الأصوات بأمواله التي سرقها أصلاً من قوت الشعب. أو ربما يرشح أصحاب المصالح نواباً، ويموّلون حملتهم الانتخابية، ليسخروهم بعدئذ لمصالحهم الشخصية، لذا يلاحظ أن قضية الانتخابات قد تراجعت في جلّ الدول التي تدعي الديموقراطية نتيجة فقدان ثقة الناخب بوعود من سينتخبه بعد أن يجلس على الكرسي. الشورى مبناها الرأي لا العدد، وقائمة على اختيار أهل الحل والعقد من المسلمين لأفضل وأكفأ الموجودين في وقت أخذ البيعة. والديموقراطية في مفهومها الحقيقي يعني تقديم الكم على النوع. لذا، فهي لا تشترط في الناخب ولا المُنْتَخَب الأهلية التي تمكّنه من القيام بأعباء الوظيفة المسندة إليه، واكتفت بتوافر الغالبية العددية المجردة، فقضت بتعيين الأكثر جمعاً من دون النظر إلى الكفاءة والأهلية. وربما يكون قرار الأكثرية لا يعرف المصلحة للجميع. إذ المرجعية لتحكيم الناس بصيغة عامة لا فرق بين بر وفاجر. فالعاهرة لها حق التصويت، والرجل الشاذ له حق التصويت. كل هؤلاء لهم حق الدفاع عن أفعالهم. فمثلاً ربما يصوت الأكثرية في بلد إسلامي على إباحة الزواج المثلي. إذا العبرة ليست بالكثرة: (وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)[الأعراف:102]. وهنا تتضح صورة الفرق بين الشورى والديموقراطية. النقطة المفصلية المهمة التي يجب الوقوف عندها أيضاً، هي أن الديموقراطية تقوم على مبدأ التعددية الفكرية والسياسية، وهذه التعددية تتيح حرية تكوين الأحزاب، وتبيح وجود المبادئ المناقضة للإسلام، مثل الشيوعية والعلمانية والديانات الأخرى المختلفة. في حين أن الشرع أقر أن السلطة في الدولة الإسلامية تكون للأمة المسلمة، ممثلة في الحاكم، الذي تنحصر مهامه في تحكيم الشريعة في الأمة المسلمة. كما اتفق الجمهور أن الولاية العامة لا تجوز إلا لذكر، مسلم، عدل. وللمسلمين - على رغم ذلك كله، وطبقاً لمبدأ الشورى - الحق في اختيار نظام الحكم الذي يناسبهم ما لم يتخلل ذلك أي مانع شرعي. والحاكم بالإسلام ليس إلا خادماً للأمة يحق لها مساءلته، بل عزله حين يصرح بالكفر. وأخيراً، إن من العجب أن يمدح بعضهم الديموقراطية ويتغاضى عن مبدأ الشورى في الإسلام. مع علمهم أن عدم تطبيق مبدأ الشورى في معظم الدول العربية والإسلامية، هو السبب الرئيس الذي أدى إلى فرض الحكومات الاستبدادية الديكتاتورية فيها.     * باحث في الشؤون الإسلامية.