الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو خادم الحرمين الشريفين، يعني مكة المكرمة والمدينة المنورة في نظر المسلم البسيط في إسلام أباد وأنقرة، وفي القرى والأطراف وأي مكان يوجد فيه من يدين بالإسلام. ولا أحد يزايد على تديّن الملك عبدالله، فإذا كانت وقفة هذا الرجل الذي ما عهدنا منه غير الصدق والثبات في المواقف، إذا كان قراره التاريخي أن يقف في صف الدولة المصرية ضد كل ما تتعرض له من الهجوم الإخواني عليها وعلى أمنها -بدعم من أطراف خارجية بقيادة أميركا وأعضاء من حلف الناتو وأولهم تركيا- بماكنة الإعلام الأصولية التي تصول وتجول بقنواتها وجزرها بالعربية والإنكليزية، وبخاصة باللغة الأخيرة لتُسمع رعاتها الرسميين، أقول إذاً: قامة بحجم عبدالله بن عبدالعزيز وثقله، وهو المسلم قبل أن يكون الملك، جاءت رؤيتها وصَدَرَ حسمُها السريع بتجريم تلك الفئة المتأسلمة، فهذا هو صمام الأمان والوضوح لمسلم لا يدري بعدُ في أي اتجاه ينحو ويكون معه الحق، فلا تظن أن جماعة «الخَوان»، (وكم يروق لي وصف العقاد لهم بالخَوان فأغتنمه) لا تستغل صور الدم وجثث الموتى وبكاء الأطفال وتدافع النساء، في تحويل الصراع إلى فتك بمسلمين يدافعون عن شرعيتهم وشريعتهم، ولا تظن أن كل مسلم متابع لا يتأثر ويشكِّك ويحتار، فليس كل من اصطف مع الخَوان -ولو بلسانه- فعل لأنه خائن، ولكن قد يكون لأنه بزعمه واعتقاده ونيته إنما يرضي الله ورسوله. فيأتي خطاب الملك عبدالله في زمن المحن وصمود الرجال فيقول لهذا المسلم: «لا عليك، أنا خادم الحرم المكي والمسجد النبوي وسليل الأرض الطاهرة، وأقول لك إن ما تتعرض له مصر ما هو سوى إرهاب وفتنة مضللة، ما هو إلا كيد حاقدين وكارهين لضرب وحدة المصريين الشرفاء بمعول المستترين بالدين». ويا ليتنا نهتم نحن العرب بالنتائج الإحصائية ونسب التأييد والمعارضة تتولاها فينا وعنّا جهات استبيانية محايدة ومتخصصة، لكنا عرفنا كم مسلم حُسم أمره بعد خطاب الملك عبدالله، ولكنا اعترفنا بأهمية هذا الخطاب على المستوى الشعبي تحديداً. وحين تنقشع الظلمة في ذهن الرجل، فمعناها أن أهله ومن في كنفه سيتأثرون بتوجهه أيضاً، وهذا كله لأن من بيدهم الأمر من أمثال الملك عبدالله والسيسي وغيرهما، لا يزالون رابطين ومرابطين، وهذا التوفيق هو الذي تصدى لزيف الإخوان. فلو كان الرئيس المصري المعزول يعلم أن الفريق السيسي من جماعة الصابرين الرابطين، والإسلام في جوهره والوطن في انتمائه وولائه، لما وافق على تعيينه في منصبه على الإطلاق، ولكن يشاء الله أن يقيّض لمصر رجلاً مخلصاً وواعياً، ولا يُستدل على شرفه بأوفى من صلابته، على رغم كل الضغوط -وربما الإغراءات- فقط ليتزحزح عن وطنيته. فخورة أنا كمواطنة سعودية بمواقف بلدي التاريخية، وإلى يومنا لا يزال العالم يذكر قوة الملك فيصل في قطع إمدادات النفط عن أميركا في حرب 73 وتغيير موازين القوى على الأرض، وإلى اليوم لا يزال مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 67 حاضراً في كتب التاريخ، حيث التعالي على كل خلاف بين الأشقاء وإمداد مصر الحزينة بحزمة مساعدات مادية أعطتها النَّفَس والثقة لاستعدادها السياسي والعسكري. وها هي السعودية مهما تبدّل الظرف والوقت تنهض بعملاقها ابن عبدالعزيز وتتخذ موقفها الذي بَنَتْ عليه بقية الدول من بعدها، فكم يشفي الغليل أن نبادر ولا ننتظر الغير أن يبادر! ولكل عصر لغته. فإن كان النفط حينها هو السلاح، فلن تحتاج أميركا اليوم إلا إلى «تحمير العين»، ولكن الأهم عين من التي تحمرُّ؟ فلا نخلط بين العيون، فليس كل عين هي عين في نظر أميركا، ولكن إن وصلني أن عين وطني إذا احمرّت تراجعت أميركا في تصريحاتها وهدّأت من اندفاعتها، فيحق لي أن أعتز بهذه العين وأدعو لها بطول العمر والنظر. أما مصر العزيزة، فلن أقول عنها بأبلغ ما جاء عن أديبها الراحل يوسف السباعي، الذي كان يصف رجالها في شدائدهم فيقول: «إن الذين عبروا القناة لن يستعصي عليهم عبور أي مشقة مهما ثقلت وطأتها وطالت معاناتها». suraya@alhayat.com