واشنطن: هبة القدسي عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا صباح أمس، بناء على مشروع قرار تقدمت به فرنسا يدعو لمحاسبة الرئيس السوري بشار الأسد كمجرم حرب وتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، وهو القرار الذي تدعمه كل من بريطانيا والولايات المتحدة. واستعرض أعضاء المجلس في جلسة مغلقة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات جزءا مما مجموعه 55 ألف صورة، توثق تعرض 11 ألف معتقل سوري للتعذيب في السجون السورية من قبل النظام السوري، كتوثيق للأدلة على جرائم الحرب في سوريا، في ما سمي بتقرير «قيصر». وأوضح دبلوماسي بالبعثة البريطانية لدى الأمم المتحدة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن روسيا تقف عائقا أمام إصدار تفويض من مجلس الأمن لإحالة النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكانت موسكو استخدمت حق النقض ثلاث مرات أمام قرارات بفرض عقوبات ضد النظام السوري. وأشار المسؤول بالبعثة البريطانية إلى أن الصور أظهرت بشكل واضح التعذيب الممنهج في السجون السورية. وكشف عن جهود من الدول الغربية للضغط على روسيا للموافقة على القرار خاصة إذا تضمن أسماء مسؤولين من الحكومة السورية وأسماء من مرتكبي الجرائم من المعارضة السورية دون أن يشمل القرار الأسد. وأوضح الدبلوماسي البريطاني أن الجدل يدور حول إنشاء «محكمة خاصة» لمناقشة أوضاع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، إذا اعترضت روسيا والصين على إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن الأمر يواجه كثيرا من التحديات السياسية والقانونية. وتقدم بجزء من هذه الصور، التي يبلغ عددها نحو 27 ألف، مصور تابع للشرطة العسكرية في جيش النظام السوري، تمكن من تهريبها على ذاكرة إلكترونية بعد انشقاقه، فيما جاءت الصور الأخرى من مصادر لم يعلن عنها. ووزعت فرنسا تقرير «قيصر» متضمنا بعضا من تلك الصور إلى الدول الأعضاء في المجلس. وقدم واضعو التقرير، وهم المحامي ديفيد كرين، رئيس الادعاء في المحكمة الخاصة بسيراليون، والطبيب الشرعي البريطاني ستيورات هاميلتون، والسير جيفري نايس، المدعي العام الرئيس في محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش أمام المحكمة الجنائية الدولية، شهادتهم أمام المجلس. وأوضح المحامي كرين، خلال المؤتمر الصحافي، أن المندوب الروسي وجه عدة أسئلة حول مدى مصداقية المصور الملقب بالاسم الحركي «قيصر» ومدى مصداقية تحليلات الصور، مشيرا إلى أن الصور التي قدمها «قيصر» تؤكد وجود نظام ممنهج للحكومة السورية في تعذيب المعتقلين. وقال كرين إن مزيدا من الأدلة وشهادات الضحايا ستجمع حتى يمكن بناء قضية بشكل قانوني وتحديد قوائم الرتب في المسؤولين عن تلك الجرائم وتحديد أماكن ارتكابها في السجون والمستشفيات ووضع ميكانيزم لتوثيق وتحديد الأماكن وأسماء الضحايا والمسؤولين عن تلك المعتقلات ووضع تلك الأدلة معا والاحتفاظ بها حتى يتم القرار في تقديمها للمحكمة. وأوضح أن تلك الأدلة بلغت 12 ألف صفحة، وأضاف «العدالة قد تكون بطيئة، لكن علينا المضي قدما في جمع كل الأدلة». وأشار واضعو التقرير إلى فحص نحو 550 صورة لرجال تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والأربعين، كما أشاروا إلى صورة امرأة واحدة وبعض صور أطفال. وتثبت الصور أسلوب التجويع كشكل من أشكال التعذيب حيث تظهر عظام بارزة للجثث وعلامات للخنق وآثار كدمات وضرب. وأكد واضعو التقرير أن الصور تظهر أدلة واضحة على تعذيب ممنهج للأشخاص المحتجزين ارتكبه مسؤولو الحكومة السورية، وهو ما يدعم الاتهامات ضد نظام الرئيس بشار الأسد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. واستند مشروع القرار بإحالة الرئيس السوري للمحكمة الجنائية الدولية إلى تلك الصور والشهادات، وإلى اتهامات وجهتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي الأسبوع الماضي، واتهمت فيها النظام السوري بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل مأساوي. وقالت إن الانتهاكات التي ارتكبتها المعارضة السورية لا يمكن مقارنتها بجرائم الحكومة السورية التي شملت القتل والتعذيب والاحتجاز القسري وحالات الاختفاء، وأكدت أن جرائم النظام تفوق بكثير جرائم المعارضة. ويتطلب تقديم النظام السوري للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ترقى إلى كونها جرائم ضد الإنسانية، تفويضا من مجلس الأمن الدولي، نظرا لأن سوريا ليست دولة مشاركة في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف باختصاص المحكمة. وجاءت هذه التطورات بالتزامن مع زيارة زعيم المعارضة السورية أحمد الجربا إلى الصين في خطوة يعتقد أنها لتليين الموقف الصيني الذي يساند روسيا. واعتبر الدكتور نصر الحريري، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن زيارة الصين التي بدأت أمس وتستمر ثلاثة أيام «زيارة مهمة وخطوة تعكس الرغبة الحقيقية في الفهم المتبادل الصحيح للمواقف بين الطرفين». وأشار الحريري إلى «أكثر من بادرة إيجابية صدرت من بكين»، وأكد أنه «على الائتلاف التقاطها والبناء عليها». وشدد على وجوب أن يشرح الائتلاف لحكومة الصين مواقف الشعب السوري وتطلعاته في الحرية والكرامة. من جانبه، قال يحيى مكتبي، عضو الهيئة السياسية للائتلاف، إن «الصين دولة لها ثقل مركزي في المشهد الدولي خاصة في مجلس الأمن، ويجب فتح نقاشات معمقة مع بكين من أجل معرفة ما وراء مواقفها وهل هناك تماه فعلي مع الموقف الروسي تجاه الثورة السورية». وشدد على «وجوب فتح بوابة للوصول إلى التنين الصيني، وهذه البوابة تكون ممتدة في المستقبل وضمن إطار التعاون الدولي على أكثر من مستوى وصعيد وليست محصورة ضمن الظروف الحالية فقط». وأكد على وجوب أن تتبع هذه الخطوة عدة خطوات لبناء رؤية مشتركة.