كان شريفاً ومخلصاً في عمله ويطمح إلى تطوير نفسه ليحقق أحلامه كأي مواطن بدأ حياته مؤمناً بدولة القانون والمؤسسات، فتدرج في وظيفته حتى أصبح مديراً، فإذا به يبدأ مرحلةً جديدة حيث الاحتكاك مباشرة بـ"الكبار" علية القوم. الذين اكتشفوا أنه حريص على تطبيق القانون واللوائح وأنه سيكون عقبة في طريق الفساد الذي يسلكونه ما كان لهم إلا مجاراته وتشجيعه ليثق بهم، وذات يوم أتاه مسؤول كبير ليبشره بأنه سيرقّى إلى منصب أكبر، وأنه من زكاه لهذا المنصب القيادي، ولكن المنصب سيكون بالتكليف مدة معينة إن اجتازها فسيثبّت رسمياً، وعليه أن ينجح في هذه الفترة، وبعد أن صدر قرار تكليفه وتسلم مهام عمله بدأ الكبار تمرير فسادهم من خلاله. كانت أوامرهم له شفاهةً من خلال التلفون، على أن يعتمد الأمر الفلاني وإذا جادلهم بمخالفة هذا الأمر للقانون قالوا له إن الأمر من المصادر العليا، ولا مسؤولية عليك، وسنرسل لك تلك الأوامر حين تصل، ولأنه لا يريد التصادم معهم، وبعد أن وثق بهم منتظراً قرار تثبيته رسمياً استجاب لهم عن حسن نية ورغبة منه في التثبيت، وبعد تمرير عدة أوامر مخالفة بنفس الدهاء والطريقة صدر أمر تثبيته، ليصبح قيادياً بصلاحيات واسعة ليبدأ مشواره مع الفساد والمفسدين. باركوا له وهنأوه على إخلاصه وتفانيه وبدأوا اللعب معه على الواسع، حيث بدأت طلباتهم المخالفة للقوانين وصاحبنا بدأ يتصدى لها ويرفضها، فما كان منهم إلا ابتزازه بما اعتمده من مخالفات حين تقلد منصبه بالتكليف وتخييره بين إحالته للقضاء والسجن أو دخول نادي الفساد ليصبح أحد أعضائه، فما كان له إلا الخيار الثاني ليكون فاسداً رغماً عنه. هكذا هي مؤسسة الفساد، حيث تُورِّط الصغار بدهاء وخبث، ليتمكنوا منهم ويسيطروا عليهم بالترغيب والترهيب والابتزاز، وهكذا يزداد أعضاؤها فتكبر وتنشر فسادها بدهاء وخبث، بعد أن تمكنت من السيطرة على معظم مفاصل الدولة. يعني بالعربي المشرمح: نحتاج إلى جيش جرار وشخصيات وطنية ومجتمع يعي خطورة هذه المؤسسة لنبدأ معركة تطهير الوطن من سموم هذه الآفة التي إذا استمرت فستدمرنا جميعاً وتدمر مؤسساتنا الدستورية والوطنية وتغرقنا في بحر فسادها المتلاطم وتنشئ جيلاً يعتقد أن الفساد وسيلة لتحقيق أحلامه وسعادته، فهل ثمة همة من أبناء الكويت المخلصين ليتصدوا لهذه المهمة لينقذوا الوطن والمجتمع من آفة الفساد ومؤسستها؟