يقول الكاتب محمد البريدي في صحيفة «الشرق» إنه في كل زفة فرح لثورة أو زعيم أو حتى حراك شعبي مستحق أتذكر كيف أن الجماهير المنساقة والمتعطشة دائما للحظة كرامة وانعتاق لم تتنبه لديكتاتورية عبدالناصر وهزائمه ومعتقلاته إلا بعد خراب مالطا وكيف أنها واصلت التصفيق له حتى النهاية؟! وبكل تأكيد فالجماهير العربية لم تتغير حتى الآن، إنها مأسأة عقل! التقطت آخر عبارة في مقدمة البريدي وهي ما تهمني في الموضوع لأن الكاتب لم يقل مأساة ثقافة أو مأساة فكر كما هو سائد في أدبياتنا، وإنما تجاوز ذلك عندما قال: إنها مأساة عقل، وهو محق في ذلك. الحمد لله أننا بدأنا نلتفت أخيرا للعقل ذاته وهي سابقة تاريخية بعد أن كنا ننظر (بتشديد الظاء) للكون، ونقزم عقول الآخرين حتى ضحكنا على أنفسنا وجنينا على أجيالنا المنكوبة بهذه الخزعبلات. سبق أن حلل محمد عابد الجابري ما عبر عنه بالمحددات البنيوية للعقل العربي التي حصرها في ثلاث (القبيلة، الغنيمة، العقيدة) والتي توصل إليها بعد دراسات طويلة باعتبارها تشكل البنية العميقة للمجتمع العربي. المراقب اليوم لما يحدث في مصر من حدة الخطاب السياسي وتفاوت درجات الاستقطاب يدرك أن هذا العقل (المستقبل) كما وصفه جورج الطرابيشي والمأسور بالممارسات النظرية والكلامية يضمر في متنه تناقضا صارخا يظهر في ثنايا الأزمة المصرية بكل تجلياتها والتي لا تخرج عن هذه المحددات الثلاثة التي تشكل إطار العقل العربي.