حافظ البرغوثي جاء اغتيال مازن الفقهاء في غزة بكاتم للصوت بهدف الإشارة إلى الفاعل، أي إنه أسلوب «إسرائيلي» معروف، وكان الفقهاء تصدر قائمة المطلوبين للاحتلال بسبب نشاطه العسكري في الضفة الغربية ومحاولاته تنظيم خلايا عسكرية لكتائب القسام وتمويلها انطلاقاً من غزة. والاحتلال يعتقد أن الفقهاء هو من يتولى شأن الضفة الغربية حالياً وهو رجل صلب خرج في صفقة تبادل الأسرى مع شاليط وأبعد عن مسقط رأسه في الضفة إلى غزة، وهو مقرب من القائد العسكري والسياسي الجديد لحماس في غزة يحيى السنوار المعروف بخطه السياسي المتصلب وهو رجل زاهد متقشف المظهر. ويبدو أن الفقهاء تحوّل إلى الذراع اليمنى للسنوار، حيث إن الاحتلال جمع معلومات عنه سواء عن طريق عملائه أو عن طريق من يعتقلهم حيث لوحظ تدفق الأموال من غزة إلى الضفة عن طريق تجار اعتقل الاحتلال بعضهم. كما تم إبعاد صالح العاروري عن تركيا بعد إعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، الذي كانت «إسرائيل» تتهمه بتنسيق العمل العسكري لكتائب القسام في الضفة وقد استقر في لبنان دون قدرة عن العمل والتواصل مع الضفة بعد أن هجر الدوحة ربما لخلافه مع قيادة حماس في الآونة الأخيرة حيث انهمكت تلك القيادة في إعداد وثيقة سياسية تعترف ضمناً ب«إسرائيل» وتدعو لدولة فلسطينية في حدود عام 1967، وهو ما عارضه السنوار وعطل المصادقة عليها من جانب قيادة حماس الحالية إلى حين استكمال الانتخابات الداخلية في قيادة الحركة في الضفة، لأنه لا يجوز أن ترث القيادة الجديدة وثيقة لم تشارك في صياغتها.فالاغتيال له هدف عسكري وآخر سياسي أي تصفية قائد نشط في الضفة وتحذير مبكر للسنوار الذي يرفض نهج الاعتراف ب«إسرائيل»،وكذلك مخطط تركيا الداعي إلى هذا الاعتراف مقابل هدنة طويلة الأمد في غزة وإفساح المجال أمام تنمية غزة وإعادة إعمارها بما في ذلك فتح الميناء وتشغيل المطار. وكانت تركيا نقلت رسائل متبادلة بين «إسرائيل» وحماس بهذا المعنى، ووجدت «إسرائيل» أنها لن تخسر شيئاً في حالة موافقتها على الخطة التركية الرامية إلى هدنة طويلة الأمد مقابل الاعتراف بها، ولهذا فإن تصريحات وزير خارجية تركيا في واشنطن جاويش أوغلو عن اعتراف حماس ب«إسرائيل» لم تأت من العدم بل بناء على هذه الاتصالات التي تتوسط فيها تركيا ولعل أوغلو أبلغ الأمريكيين بهذا التطور في موقف حركة «حماس» حيث يبدي الأمريكيون ترحيباً بأي موقف إذا وافقت عليه «إسرائيل، وإسرائيل» التي ترحب بذلك عن طيب خاطر لأنها كمن يساهم في عرقلة مساعي السلطة الفلسطينية على المستوى الدولي لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإحباط المقاطعة الدولية وإظهار الفلسطينيين منقسمين على أنفسهم ولا يمكن محاورتهم وأيضاً تحويل غزة إلى دولة فلسطينية منفصلة عن الضفة أي تصفية القضية الفلسطينية وحصرها في غزة فقط. السنوار رجل عسكري محنك ليس له طموحات شخصية سوى تمتين المقاومة، وهو أول من انتقد تركيا عندما أعادت علاقاتها مع الاحتلال واتهمها بالخذلان، وهو يناصب الجماعات السلفية العداء لأنها تشوه الإسلام في رأيه، وليس لها أي طابع وطني. وكانت هذه الجماعات على وفاق مع حماس عندما كان يتم استخدامها ضد مصر وتلقت تسليحاً وتمويلاً من تركيا للعمل في سيناء وهو ما يعارضه السنوار الذي يرى في مصر سنداً لغزة، ويريد علاقات جيدة معها بينما تريد تركيا عن طريق خطتها للتوافق بين بين حماس و«إسرائيل» محاصرة مصر واستمرار دعم الإرهاب في سيناء والحفاظ على موطئ قدم لجماعة الإخوان المسلمين في غزة. لقد اختارت «إسرائيل» اغتيال الفقهاء في هذا التوقيت وكأنها تحذر السنوار من موقفه بشأن الاعتراف بها. ولمعرفة «إسرائيل» بأن حماس لم تعد بناء قدراتها العسكرية وبالتالي لن تستطيع الرد عليها عسكرياً، ولن تغامر مرة أخرى بحرب مدمرة، وهي تعلم أن اليمين الحاكم في «تل أبيب» متحفز لحرب جديدة تبقيه في سدة الحكم لأن بنيامين نتنياهو يبحث عن رافعة تبقيه طافياً على السطح السياسي في أوج اتهامات له بالفساد وفي أوج بدء الخلافات مع اليمين المتطرف في حكومته. اغتيال الفقهاء إذاً، له أهداف سياسية وعسكرية معاً. فهل سيسمح السنوار بمرور وثيقة حماس أم سيواصل تصلبه؟ أم أن الاغتيال سينسف وثيقة حماس من الأساس؟ hafezbargo@hotmail.com