ثمة نهاية، ليست دونكيشوتية على أية حال، تقررها أنطولوجيا جديدة لقصيدة النثر المصرية حول ذلك الصراع الذي تمدد مع ثورة شعرية شبه جذرية شارك فيها عشرات الشعراء منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. ذلك الصراع الذي بدا وقتها كصرخة غير متكافئة في وجه قوى لا زمنية، وعلى نحو أدق، قوى اعتقدت أنها تملك أزل الشعر وأبده، من دون أن يعني ذلك إصابة الثوار «الشعراء» لأهدافهم على نحو دقيق. لقد بدوا كحصَّادين يعملون في دغشة الليل فلا يفرقون بين نبتة طيبة وأخرى خبيثة؛ هذا ربما خلق منهم جنوداً حمقى راحت سهامهم غالباً إلى غير أهدافها. الصورة الآن أقرب إلى التشكل والاكتمال. فصدور أنطولوجيا أنيقة تقع في ما يقارب السبعمئة صفحة (المكتب المصري للمطبوعات/ منشورات الوردة- القاهرة) عن دار نشر غير حكومية، يبدو عملاً استثنائياً في زمن بات الاجتراء فيه على الشعر واحداً من الفرائض التي تتنامى على أفواه كثيرين من وكلاء سرديات ما بعد الحداثة. وأياً كانت تناقضات أصحابها، فإن صدور هذا العمل، الذي ضمن حضوراً متفاوتاً لـ53 شاعراً، لهو أمر يستحق الانتباه. في هذا العمل الذي يحمل عنوان «ذئبٌ ونفرشُ طريقَه بالفِخاخ: أنطولوجيا النص الشعري المصري الجديد»، مخيفٌ، طبعاً، أن نحصي هذا العدد من الشعراء في حقبة لا تتجاوز الثلاثين عاماً. هذا يعني أن مُعِد الأنطولوجيا ومقدمها الشاعر عماد فؤاد لم يأنس إلى ما أشار إليه صاحب المقدمة الطويلة الشاعر رفعت سلام. فكل أنطولوجيا هي مزيد من الحذف ومزيد من الاستبعاد، إذا كان الهدف الأعمق هو التأشير إلى نصوص استكشفت جماليات النوع الشعري، ومن ثم كان يجب أن يحل التراكم النوعي محل التراكم الكمي. أقول ذلك وأدرك أن أجيالاً جديدة من شعراء قصيدة النثر باتوا يملأون فضاءنا بنصوص تعزز من حضور تلك المدونة، التي يتزاحم فيها الكثير من الشعر الجيد الذي يستحق تمثيلات أكثر نوعية. سيندهش المرء طبعاً من تلك الفرحة المتأخرة بأنطولوجيا مكرِسَة لنصٍ يواجه حالة استئصالية تزداد شراستها، على رغم اقترابه من دخول المدونة الكلاسيكية، بعد أن صار نمطاً إبداعياً ساهم في تجديد معنى النوع على امتداد العالم الناطق بالعربية. والمعنى هنا أن الفرح بتلك الأنطولوجيا لم يكن لينسينا أن قصيدة النثر في محنة حقيقية. وعلى رغم أن الشاعر رفعت سلام استثنى نفسه وبعض رفاق جيله من بعض جوانب تلك المحنة في مقدمته للأنطولوجيا؛ إلا أنني لا أعفي نفسي من عناء الإجابة عن أسئلة تبدو إحدى ضرورات تجديد النص وأولها ذلك التشبث الهستيري وغير الحذر بالنثر الوظيفي بما ينطوي عليه من تبذل واعتيادية. لقد كانت الترجمة الناقصة لمواصفات سوزان برنار واحدة من أكبر أدوات التضليل التي لم يكشف عنها أنسي الحاج سوى في عام 1985، على رغم أن ترجمته تلك المواصفات نُشِرت ضمن مقدمة ديوانه «لن» 1960. هذه بالطبع ليست مساءلة لأنسي الحاج لكنها تفسير لتلك التطوحات التي أخذت طيفاً واسعاً من شعراء هذا النص إلى الاحتماء بالرمزية الفرنسية والنثر الفيكتوري على السواء؛ كما يشير سلام في مقدمته. وهذا ما دفع النص إلى الوقوع في مثالية مفرطة كانت أقرب إلى الرومانسية منها إلى أي تصنيفات أخرى، في وقت كان يجب أن تنأى فيه ذوات الشعراء عن تقديس عزلتها ومن ثم الاحتفاء بتعاليها. ولعل تلك المفردات المثيرة للغرابة التي تبدَّت لدى عماد فؤاد في مقدمتيه (الأولى تخص إصدار الأنطولوجيا نفسها في الجزائر في عام 2007) تكون دالة في هذا السياق، فهو مازال يحاول ويجتهد تحت ظلال أبوية غير مفهومة لكي «يمن عليه الشعر ببنوته»، وهي أمنية تقف على الدرجة نفسها من الرومانسية مع قوله: «والشعر ابن حرام»؛ وفي إهدائه ذي المسحة التقديسية: «إلى الشعر وحده». ويبدو أن فؤاد، الغارق في رومانسيته، والذي مازال يسهر على تنظيف أرضه الشعرية؛ «من الديدان والحشرات» بحثاً عن نص معقم، لا يدرك أنه كما يريد أن يستنبت الشعر من الزنابق فإن غيره يسعى إلى استنباته من النفايات التي تحيط بالمدينة، كما فعلت أفيال الشاعر أندرو مارفيل قبل أربعة قرون من الآن عندما نكلت به هجائياته للنظام الكاثوليكي في القرن السادس عشر. الشعر النقي، إذن، لم يوجد بعد، وكما يشير جوناثان مونرو، كان منتظراً من قصيدة النثر أن تحقق اختراقاً متبادلا ًبين ما هو جمالي من ناحية وما هو سياسي اجتماعي من ناحية أخرى، لكن الحقيقة المؤكدة تقول إن كثيراً من النماذج عززت قيماً أخرى نأت بالنص عن المستهدفين به ورسخت عزلته وسط واقع شديد المحافظة والتقليدية، وربما كانت تلك العزلة سبباً في الاتهامات التي وجهها الشعراء القوميون لقصيدة النثر من أنها تبدو نوعاً من التحالف مع البرجوازية العالمية المرتبطة بعولمة المعرفة في واقع متشظ كان يتم تسويقه على أنه نوع من الاحتفاء بالهوامش وتجاوز للمركز الأوروبي، لكن المآلات تؤكد أن النص استهلك طاقاته داخل مقولات المركز المهيمن نفسه. الشعراء القوميون بالطبع لا يعفون مدرسة شعر من تعزيز ذلك التحالف غير المعلن بين قصيدة النثر وبين كومبرادور الرأسمالية العالمية، باعتبار مدرسة شعر نمت في أحضان الحزب القومي السوري الذي كان نقيضاً لأحلام القوميين المرتبطين في معظم أطيافهم بـأكثر الفصائل اليسارية راديكالية. ولا أظن أن ثمة أهمية كبيرة لاتهامات من هذا النوع، فهي اتهامات لم تكن إلا رديفاً لموقف المحافظين، حيث سبق لهم الترويج لمقولات هزلية سبقت قصيدة النثر من قبيل أن قصيدة التفعيلة نفسها اعتداء جسيم على التراث العربي ومن ثم على كتابه المؤسس «القرآن». غير أن الوجه الآخر لتلك الاتهامات الغليظة يجب أن يلفت الشعراء إلى حجم الاختراق الذي حققته قصيدة النثر في الذائقة العامة عبر ما يقرب من الثلاثين عاماً، وأظن أن الإجابة ستكون صادمة على نحو مخيف. إن الطوباوية التي أرادتها قصيدة النثر لنفسها شكلت موقفاً عنيفاً ضد الأيديولوجيا، لكن هذا الموقف المتشدد وغير الرشيد ضد الأيديولوجيا بدا، في حد ذاته، كأنه عقيدة من نوع آخر، فبدا نفي الأيديولوجيا وإقصاؤها هدفاً في ذاته، ومن ثم بدت التعريفات التي تدور حول وظيفة الشعر في أقصى حالات اضطرابها. لكل ذلك لا أرى عظيم مجدٍ في الاجتهاد المحموم للشاعر رفعت سلام في تكريس مركزية سبعينية تلتف حولها قصيدة النثر. فالصحيح أن ثمة شعراء سبعينيين أصبحوا من رواد قصيدة النثر لكنهم كانوا نتاج تحولات بدأها غيرهم. إن محاولات تخليق السلالة من فضاءات أكثرها يسبح في العدم يعني أن الخطر الحقيقي مازال يتبدى في إخضاع قصيدة النثر لكل شعرائها، بينما كان يجب أن يحدث العكس، الأمر الذي كرس لنمطية مبكرة، تهدد، لا شك، وجود النص في مجمله. وفي النهاية، وعلى رغم تلك الملاحظات التي لا تفت في أهمية تلك الأنطولوجيا، فثمة تهنئة مستحقة لكل شعرائها ولمقدميها الشاعرين عماد فؤاد ورفعت سلام. فائزون بجائزة الشيخ زايد أبو ظبي - «الحياة» - أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب أسماء الفائزين في دورتها الحادية عشرة 2017-2016، ففاز الكاتب اللبناني عبّاس بيضون بجائزة «الآداب» عن روايته «خريف البراءة» (دار الساقي)، والمفكر السّوري محمد شحرور بجائزة «التنمية وبناء الدولة» عن كتابه «الإسلام والإنسان – من نتائج القراءة المعاصرة» (دار الساقي). وفازت الكاتبة الكويتية لطيفة بطي بجائزة «أدب الأطفال والناشئة» عن كتابها «بلا قبعة» (سيدان- ميديا)، والباحث والمترجم اللبناني زياد بوعقل بجائزة «الترجمة» عن كتاب «الضروري في أصول الفقه لابن رشد» والذي نقله إلى الفرنسية (منشورات دي غرويتر). وعن فرع «الفنون والدراسات النقدية»، فاز الباحث العراقي سعيد الغانمي بجائزة عن كتابه «فاعلية الخيال الأدبي» (دار الجمل) بينما فاز الألماني ديفيد فيرمر بجائزة «الثقافة العربية في اللغات الأخرى» عن كتابه «من فكر الطبيعة إلى طبيعة الفكر»، في حين فازت «مجموعة كلمات» من الإمارات العربية المتحدة بجائزة «النشر والتقنيات الثقافية». وعلّق علي بن تميم الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب قائلاً: «تميزت مواضيع الإنجازات الإبداعية الفائزة للدورة الحالية بمعالجتها القضايا الملحة التي نعايشها في وقتنا الراهن كالمواطنة والنص الديني والفلسفة العربية والتكنولوجيا والإرهاب، فالفائزون استحقوا الفوز عن جدارة لما لأعمالهم من أثر مهم في الارتقاء بالثقافة والحياة الاجتماعية العربية». وأضاف: «كما تتقدم الجائزة والهيئة العلمية ومجلس الأمناء بالشكر لكل من تقدّم للمشاركة في دورتها الحالية وتتمنى من المرشحين الذين لم يتسن لهم الفوز بالترشح مرة أخرى في الدورات المقبلة». وأعلن مجلس أمناء الجائزة حجب الجائزة في فرع «المؤلف الشاب» لأن الأعمال المشاركة لم تحقق المعايير العلمية والأدبية ولم تستوف الشروط العامة للجائزة. أما شخصية العام الثقافية فيتم الإعلان عنها لاحقاً.