حيث إنه بدواعي سفري مضى لي عدة أشهر لم أذهب إلى الكورنيش، لهذا ذهبت له مساء يوم الجمعة الماضي ماشيا على أقدامي، حيث إن منزلي لا يبتعد عنه كثيرا. ولكن ما لفت نظري هي القذارة وليس شيء آخر، وكذلك عدم الإحساس بالمسؤولية، خصوصا عندما شاهدت أحد الشباب، بعد أن انتهى من شرب (ارجيلته)، وإذا هو (يكب) بكل بساطة ورعونة ذلك الفحم المشتعل على الرصيف، في الوقت الذي عبرت فيه طفلة صغيرة وهي تركض لاهية، وخوفا مني عليها تداركتها في آخر لحظة وحملتها بيدي قبل أن تدعس على الفحم، وما راعني إلا صوت والدها الضخم، الذي أطلق لي (الشيشة) من فمه الواسع، وأتى راكضا وهو ينهرني قائلا: اترك البنت أحسن لك، فعرفت أنه يريد أن يجر معي (مشكلة)، فتبسمت في وجهه خاتفا وأنا أعطيه ابنته قائلا: ها هي أمانتكم ردت إليكم. وبدلا من أن يشكرني خطف ابنته ذات الخمس سنوات من يدي قائلا لي وهو (يفرصع) بعينيه: أما قلة أدب (!!)، وراعني أكثر أنه أخذ يضرب بنته على وجهها وهو يوجه لها أقسى الكلمات، وراعني أكثر وأكثر بكاء الطفلة التي لا تعرف بأي ذنب هي ضربت !!. بعدها مضيت في حال سبيلي، وبدلا مما كنت أنوي أن أرفه به عن نفسي، تحول تجوالي إلى غم وحزن، ولا أدري كم هي المسافة التي قطعتها ماشيا وقد ضاقت الدنيا بعيني، ولكنني أعتقد أنها عدة كيلو مترات، وبعد أن انتبهت إلى حالي رجعت القهقرى عائدا إلى بيتي وحمدت الله على السلامة. ومما (زاد الطين بلة) مثلما يقال أن (الريموت كنترول) الذي افتح به الباب عادة عندما أكون في سيارتي ليس معي، ومما زاد الطين بلة أكثر أن (الموبايل) ليس معي أيضا، ومما زاده أكثر وأكثر أن العامل المنزلي كان في إجازته الأسبوعية المعتادة، فأخذت أضرب الجرس مرة وأخرى ولكن لا حياة لمن تنادي، إلى درجة أنني فكرت أن أتشعلق السور، لولا أن العاملة المنزلية التي كانت نائمة نومة المغربية، قد استفاقت وانتبهت أخيرا وفتحت لي الباب، وأول ما واجهني هو فمها المفتوح على الآخر وهي تتثاءب. ومن أراد أن يتأكد من كلامي فليذهب إلى الكورنيش يوم الجمعة، المهم أن يكون متسلحا (بعجرا) .. والعجرا لمن لا يعرفها هي عصا غليظة ورأسها مدردم يشبه (كرة التنس).