< أمام القمة العربية التي ستنعقد في العاصمة الأردنية عمّان اليوم (الأربعاء) ملفات أمنية واقتصادية واجتماعية، إضافة إلى ملفات أخرى تتعلق بخلق فرص العمل وتوليد الوظائف وجذب الاستثمارات، وفي مقدم كل هذه الملفات، يأتي الملف السياسي والأمني ومكافحة الإرهاب، ووضع حد للتدخل السافر لإيران في الشأن الداخلي للبلدان العربية، وزعزعة الأمن، بتحريض الجماعات الإرهابية وتشجيعها على تنفيذ الأعمال الإرهابية. ربما لن يكون اجتماع القمة الحالية في الأردن مختلفاً عن قمة نواكشوط في الملفات المطروحة، إنما الفرق هو أن هذه الملفات تضخمت، لاسيما في ملف الإرهاب الذي لا يمر يوماً من دون أن تسمع دوي انفجار أو تنفيذ عملية انتحارية ومقتل رجال أمن وأشخاص أبرياء في معظم البلدان العربية. الإرهاب يحاول أن يبث الرعب بين السكان والمواطنين الآمنين في الدول العربية، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، من الموصل مروراً بحلب إلى صنعاء، ومن طرابلس والعوامية ثم غور الأردن ومدن عربية أخرى، وفي المقابل تسمع أخباراً عن قدرة سلطات الأمن بالقبض أو القضاء على مجموعة إرهابية. فالسنوات الخمس الماضية اشتدت فيها حرب «الكر والفر» بين الأمن والجماعات الإرهابية، وهذا الأمر انعكس سلباً على أداء اقتصاديات البلدان العربية، وجعلها تسجل انكماشاً عالمياً. وعلى رغم أن الاقتصاديات العربية تأثرت بعوامل عدة وشهدت تباطؤ الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية واستمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط التي فقدت 45 في المئة من قيمتها المسجلة، وهو ما دفع ببعض البلدان المصدرة للنفط إلى رفع كميات الإنتاج لتعويض نقص الإيرادات المالية الناتج عن تراجع أسعار النفط، وعلى رغم الأوضاع المالية الصعبة التي تمر بها الدول العربية، إلا أنها خصصت موازنات ضخمة لمواجهة الإرهاب ورفع كفاءة أفراد الأمن من خلال التدريب والتسليح. حال البلدان العربية اليوم ليست بأفضل من العام الماضي ولا الذي قبله، ولن تكون أفضل في العام المقبل، فالأحوال السياسية التي تمر بها لا تسر عدواً ولا صديقاً، فإذا صلحت حال العرب سياسياً فسيصلح اقتصادها وأمنها، ويعيش المواطنون في استقرار، ولا أقصد هنا الاتفاق السياسي بين البلدان العربية، فهناك تعاون تام بين الكثير من البلدان في ما بينها، فدول الخليج العربي لديها اتفاقات وتعاون مشترك في ما بينها لمواجهة أي تطورات أمنية وسياسية، بل حتى اقتصادية، إنما المشكلة الكبرى هي الانقسام السياسي داخل البلد الواحد، وهي صراعات قوى، وفي سبيل تحقيق مكاسب تلجأ هذه القوى إلى استخدام العنف، فما يحدث في اليمن هو صراع سياسي مغلف بالإرهاب، وتستغله إيران لتجد لنفسها مساحة واسعة لتمارس فيها هوايتها المفضلة بتغذية الإرهاب، والأمر نفسه في سورية وليبيا وتونس. وفي مصر من وقت إلى آخر تصعد جماعة الإخوان لتثير أزمة ومن ثم تختفي لتترك الأمر مفتوحاً للصراع بين أطراف متعددة، والحال في العراق تبدو غامضة منذ 10 أعوام، لا تعرف أيهما أفضل لها، أن تبقى مجزأة أم مجتمعة في حكومة واحدة، حتى الشعب العراقي محتار ماذا يمكن أن نطلق على حاله. دوائر الصراع السياسي والإرهابي كلما تتسع في العالم العربي، ضاقت معها فرص العمل ونمو الاقتصاد وارتفعت البطالة. أشار أحدث تقرير لصندوق النقد العربي إلى أن معدلات الفقر متوقعة أن تزداد نتيجة تراجع النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة تحويلات العاملين في الدول العربية المصدرة للنفط، وزيادة عدد اللاجئين نتيجة الأوضاع التي تمر بها بعض البلدان، باستثناء دول الخليج التي تنخفض فيها مستويات الفقر. في القمة العربية «يطفو» على السطح أهم ملف إنساني وهو موضوع «اللاجئين»، سواء لمواطني سورية أم اليمن أم العراق، إذ دمرت الحرب أوطانهم، وإذا ما نظرنا إلى هذا الملف فسنجد أنه يتضخم كل عام، وأصبح عبئاً على الدول العظمى، لكونها تسبب قلقاً لمنظمات حقوق الإنسان العالمية، ونشأت من أجلها خلافات بين الدول، وللأسف المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى القضية بأنها عادية ولا تستوجب التدخل السريع لإنقاذ أكثر من 4 ملايين طفل في هذه البلدان فقدوا أسرهم وعائلاتهم وحرموا من أهم متطلبات الحرية والحقوق، وهي التعليم والصحة نتيجة الصراع السياسي! من التحديات المصيرية المشتركة في البلدان العربية وتستوجب تدخلاً صارماً من قادة العرب ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب، الأحداث السياسية كان لها الدور الأبرز في إضعاف فرص النمو الاقتصادي، وبالتالي تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. الأوضاع الاقتصادية في اليمن مخيفة، ففي تقرير الأمم المتحدة لمؤشر السعادة عالمياً احتل اليمن المركز الـ147 عالمياً من بين 157 دولة. قد تختلف أسماء العواصم العربية والمدن التي تستضيف القمة العربية من عام إلى عام، إلا أن القضايا والملفات التي تناقشها متشابهه، وما لم تستعجل في وضع حلول لها فلن تتمكن الجامعة العربية من لملمة أوراقها وتتبعثر بشكل مخيف، وتتحول إلى أمراض مستعصية من الصعب مواجهتها، ولربما المواطنون العرب ينتظرون على أمل ما تسفر عنه اجتماعات كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذين سيجتمعون قبل اجتماع القمة، ثم اجتماع المندوبين الدائمين وكبار المسؤولين، وطابور طويل من الاجتماعات التحضيرية للقمة من وزراء خارجية، كل هذا من أجل التحضير لاجتماع القمة. وكلنا أمل بأن يخرج العرب بفرصة أمل تداوي بعضاً من الأمراض التي نشتكي منها، ويتوصلوا إلى توافق سياسي وأمني لمكافحة الإرهاب، وأن يتحدوا لمواجهة عدوهم الخارجي، وأن يواجه الإرهاب بمشاريع تنموية وزيادة فرص النمو الاقتصادي والاستفادة من كفاءة ومهارة شبابه. jbanoon@