لا يستطيع إبراهيم تذكّر آخر مرة كان باستطاعته تحمّل تكلفة إطعام عائلته وجبة من الدجاج؛ أرخص نوع لحوم متوافر في إيران.البنّاء البالغ من العمر 38 عاماً، الذي يعتمد على العمل اليومي، يقول "إن الموارد المالية شحيحة جداً إلى درجة أنه لم يتمكن من تحمّل تكلفة شراء الملابس لأطفاله بمناسبة السنة الفارسية الجديدة ـ المهرجان الذي بدأ الأسبوع الماضي عادةً ما يكون وقتا لتناول الطعام والاحتفال".يقول إبراهيم الذي يعيش في حي فقير شرقي طهران "دخلي هذا العام كان كافياً فقط لمنعي من التسوّل في الشوارع. حسابي المصرفي كان خاليا من المال خلال معظم العام، على عكس ما كان في السابق عندما كان بإمكاني توفير مبالغ صغيرة".مضى عامان تقريباً منذ اتّفاق إيران مع القوى الغربية على خطة للحد من برنامجها النووي، ما أثار توقعات واسعة أن معاناتها الاقتصادية ستصبح أهون. لكن بعد أكثر من عام من رفع العقوبات جزئيا، يقول كثيرون "إنهم لم يشهدوا تحسناً حتى الآن". ومع اقتراب الإيرانيين من صناديق الاقتراع في أيار (مايو)، يزداد الضغط على الرئيس، حسن روحاني، الذي يواجه منذ فترة معارضة من المتشددين.على خامنئي، القائد الأعلى وصانع القرارات النهائي، انتقد حكومة روحاني من قبل لفشلها في تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي. وقال في وقت سابق هذا الشهر "أتلقّى شكاوى الناس ووجهات نظر المختصين. (الحكومة) يجب أن تتصرف في مسائل مثل الإنتاج، والتوظيف، والقضاء على الركود (...) بطريقة يشعر الناس بتأثيرها في حياتهم".لم يتّضح بعد من سيكون منافسو الرئيس، لكن إبراهيم يقول "لست متأكداً أنني سأصوّت لروحاني مرة أخرى. ففي حين أنجز عملا جيدا في مجال الأمن (من خلال البرنامج النووي)، إلا أن أداءه كان فظيعاً في معالجة البطالة والفقر".ظاهرياً، شهد الاقتصاد نمواً قوياً، مع إشارة صندوق النقد الدولي إلى "تحسّن مُثير للإعجاب" منذ رفع العقوبات في العام الماضي. وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينتعش النمو ويصل إلى 6.6 في المائة في العام الذي انتهى في 20 آذار (مارس) الجاري.لكن يُمكن أن يُعزى هذا إلى حد كبير إلى مضاعفة إنتاج إيران من النفط الخام إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً. وتملك إيران بعضا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، لكن عددا أكبر بكثير من الناس يعمل خارج قطاع النفط. وبحسب البنك المركزي، انكمش قطاعا البناء والتعدين - كلاهما يوظف عددا كبيرا للغاية من الناس - بنسبة 17.2 و0.2 في المائة على التوالي خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الإيرانية.ويلاحظ مختصون أن روحاني يستطيع الإشارة إلى انخفاض التضخم من 40 في المائة عام 2013 إلى 8.7 في المائة العام الماضي، إلا أن هذا لا يشكل سلوانا للناس الذين يُكافحون للحصول على وظيفة. وتقول الحكومة "إن 700 ألف وظيفة جديدة تم استحداثها في العام الذي انتهى في 20 آذار (مارس)، لكن نحو 1.2 مليون شخص دخلوا إلى سوق العمل في الفترة نفسها". والوضع أسوأ بين الشباب. فبينما يبلغ معدل البطالة العام 12.4 في المائة، يرتفع بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً إلى 29.2 في المائة.ويقول بعض الناس "إن هذه الأرقام أقل من الواقع". حسين راغفر، وهو مختص اقتصاد، أخبر وسائل الإعلام المحلية الشهر الماضي "معدل البطالة الحقيقي 35 - 40 في المائة (وليس 12 في المائة)". وجادل بأن حسابات الحكومة تعتبر أن أي شخص يعمل لمدة ساعة أسبوعياً يدخل في عداد الموظفين.وحتى يتجذّر الانتعاش هناك حاجة، كما يقول مختصون، إلى إصلاح المصارف، جزئياً للمساعدة في جذب الاستثمارات الأجنبية. قال ولي الله سيف، رئيس البنك المركزي "المصرف الديناميكي ضروري لاقتصاد ديناميكي (...) لكن النظام المصرفي في البلاد يسجل خسائر الآن".ولاحظ مسؤولون أن كثيرا من المصارف الأوروبية لا يزال يشعر بالقلق من ممارسة الأعمال مع إيران خوفاً من استثارة عداء الولايات المتحدة. وأضاف انتخاب دونالد ترمب إلى عدم اليقين الاقتصادي، خصوصا مع انتقاده المستمر للاتفاق النووي و"تحذيره" إيران بشأن تمويلها الإرهاب ومتابعة برنامجها للصواريخ الباليستية.هذا غذّى مخاوف من أن واشنطن قد تفرض مزيدا من العقوبات أو حتى تلجأ إلى المواجهة العسكرية. وقال دبلوماسي غربي كبير في طهران "لن يتّخذ رجال الأعمال الإيرانيون والأجانب أي قرارات كبيرة حتى أيلول (سبتمبر) أو تشرين الأول (أكتوبر)، عندما يحصلون على صورة أوضح حول ما سيفعله ترمب". لكن بالنسبة إلى إبراهيم الآفاق تبقى قاتمة. سيشعر أنه محظوظ إذا تمكّن من كسب 400 ألف ريال "نحو 12 دولارا" مقابل عمل يوم واحد في شركة بناء. يقول "تخلّيت عن الزراعة في قريتي بالقرب من إسفرايين (شمال شرقي إيران) قبل عقد من الزمن بعد أن ضرب الجفاف مزارع القمح والشعير وماشيتنا. انتقلت إلى طهران من أجل حياة أفضل. أين بإمكاني النزوح الآن"؟Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: منور خلج من طهرانpublication date: الثلاثاء, مارس 28, 2017 - 03:00