×
محافظة المدينة المنورة

بلدي خيبر يناقش المشروعات الجمالية ويقرّ تعديلات على التصاميم

صورة الخبر

لعل المرض الخبيث الذي تمكن من الصحافي والروائي والنائب الفرنسي دومينيك بوديس، لم يكن أقسى ما واجهه الرئيس السابق لمعهد العالم العربي في باريس. فالرجل كان قد تعرض، قبل عشرين عاما، لمحاولة اغتيال معنوي كفيلة بأن تقضي على سمعته كسياسي وصحافي بل كمواطن فوق الشبهات. درس بوديس العلوم السياسية وكان درب المناصب الرفيعة ممهدا أمامه. فوالده هو عمدة مدينة تولوز، يفوز في انتخاباتها دورة بعد دورة. لكن الابن تولع بمهنتنا. عمل مراسلا في بيروت وغطى منطقة الشرق الأوسط واقترن بسيدة مغربية وأصبح نجما من نجوم نشرات الأخبار في القناة التلفزيونية الأولى. حين توفي الأب، استعاد العمل السياسي الابن إلى صفوفه. ترشح للعمودية خلفا لوالده وفاز بها. ثم دخل المجلس النيابي والبرلمان الأوروبي حتى اختاره جاك شيراك رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع. هل أصابته عين حاسدة؟ بين ليلة وضحاها، وجد بوديس نفسه متورطا في حبائل فضيحة تعود وقائعها إلى عام 1993. تفجرت في تولوز، المدينة الملقبة بـ«الوردية» وشغلت الرأي العام في فرنسا كلها. فقد ألقت الشرطة القبض على مجرم متهم بأنه قتل خمس نساء. واعترف القاتل بتلك الجرائم وبأربع إضافية، وبست حوادث اغتصاب. وقد استجوب المحققون عشرات الشهود، بينهم اثنتان من فتيات الليل، باتريسيا وفاني، أقرتا بأن وجهاء محليين نافذين كانوا أطرافا في شبكة للدعارة يمارس أفرادها العنف ضد الغانيات، ومنهم دومينيك بوديس الذي كان عمدة في حينها. استقال الرجل من منصبه لكي يتفرغ للدفاع عن شرفه. واستبق الأُمور فظهر بنفسه على شاشة التلفزيون، عام 2003، في نشرة أخبار القناة الأولى، قناته التي سبق أن لمع فيها، وأعلن للمشاهدين والعرق يتصبب من جبهته أن اسمه قد ورد في قضية سفاح تولوز لكنه بريء وضحية مؤامرة مدبرة. وطوال أشهر، عاش الرجل في النفق المظلم وتنقل بين دهاليز العدالة حتى جاءه الفرج. لقد تراجعت الشاهدتان عن أقوالهما وأقرتا بأن هناك من حرضهما عليها. لكن بوديس ظل يحمل الجرح في داخله، ولعل بذرة المرض الخبيث نمت بسببه. هل كان مريضا حين أصبح رئيسا لمعهد العالم العربي؟ لقد أحب الشرق وبلدان الشمال الأفريقي، وأصدر رواية بعنوان «عشاق جبل طارق»، تدور حول الجاسوسية والمخابرات التي ساهمت، في القرن الثامن الميلادي، في تغيير مسار التاريخ ورسم مصير مختلف لمنطقة البحر الأبيض المتوسط لقرون تالية. هل أصابع الأجهزة السرية قديمة وتتمرن علينا منذ ذلك الوقت؟ في مقابلة معه، قال بوديس إن البحر المتوسط لا يشغل سوى واحد في المائة من المساحة السائلة للكرة الأرضية، لكن منطقته تستحوذ على 35 في المائة من التجارة العالمية المنقولة بحرا وأكثر من 30 في المائة من السياحة. حين بحث ساركوزي عن الرجل المناسب لمنصب جديد هو «المدافع عن الحقوق»، لم يجد أفضل من دومينيك بوديس. اسأل مجربا ولا تسأل حكيما. ولما جاء الرئيس الاشتراكي هولاند إلى الحكم، أبقاه في منصبه. وهو كان قد نشر كتابا عن محنته السابقة بعنوان «في مواجهة الافتراء»، هاجم فيه سفالة بعض السياسيين والإعلاميين الذين يروجون للشائعات قبل التحقق من صحتها. ففي عز القضية، أذاع كارل زيرو، صاحب برنامج إخباري تلفزيوني مثير للجدل رسالة على الهواء يُفترض أن سفاح تولوز كتبها بخط يده، تؤكد اتهام بوديس. في تلك الفترة، راهن كثيرون على أن السياسي اللامع مات معنويا ولن تقوم له قائمة. لكنه لم يكن مواطنا عاديا وله تقاليد عائلية يستند إليها وعلاقات كثيرة. لذلك خرج سالما منتصرا، أو في عداد المنتصر. وعند إعلان وفاته، قال صديقه فرنسوا بايرو، المرشح السابق للرئاسة، إن بوديس مات من دون أن يشفى من جرحه المعنوي السابق. لقد ظل، خلال سنواته الأخيرة، حساسا تجاه الإجحاف، مهموما بقضايا العدالة والمساواة وبالمظاليم الذين لا يملكون الدفاع عن أنفسهم في وجه «الماكنة الشريرة».