×
محافظة حائل

«الحصيني»: توقُّعات بأمطار وبرد على الرياض ومناطق أخرى بالمملكة غداً

صورة الخبر

القاهرة: مدحت صفوت الحرب، خاصة المعارك العالمية، كانت ولا تزال ميداناً مغرياً ومفضلاً لكتاب الرواية العالميين، مما أنتج رفاً روائياً داخل المكتبة الإنسانية يمكن تسميته ب«أدب الحروب». وتتجلى عناوين الأعمال وأسماء المؤلفين، ك«وداعاً للسلاح» آرنست همنغواي، «الحرب والسلام» تولستوي، «الجندي الصالح زفاك» للتشيكي جاروسلاف هاسيك، «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» للألماني إريك ماريا ريمارك، «سفر إلى آخر الليل» للفرنسي لويس فرديناند سيلين، «الدكتور زيفاغو» للروسي بوريس باسترناك، «جوني حمل سلاحه» للأمريكي دالتون ترومبو، وغيرها الكثير. لكن في «الطوق الأحمر» للروائي الفرنسي جان كريستوف روفان الأمر أكثر دسامة فنية واختماراً للحبكة، فالحدث الذي يقف المؤلف أمامه للمساءلة والمساجلة مر عليه قرن من الزمان وقت كتابة الرواية فبراير/ شباط 2014، والصادرة بالفرنسية عن دار غاليمار. من حدث يبدو «بسيطاً» وغير معقد، ينطلق روفان في عملية بنائه لصرح روائي شديد الكثافة، فيذكر المؤلف أنه نسج روايته من قصة جد المصور الذي رافقه إلى الأردن في 2011، إذ عاد الجد بوسام فيلق الشرف من حرب 1914 وارتكب تحت تأثير الشرب فعلاً مخالفاً كان من المقرر أن يحاكم على إثره. ويهدي «جان» صديقه رواية ممسوكة بمنطق الاستيعاب البعيد لصدمة الحرب، ويهديه الرواية آسفاً، إذ لم يمهل الموت صديقه كي يرى قصة جده نصاً يعاند العنف الأعمى ويقاوم الرغبات البدائية.تحكي الرواية التي ترجمتها إلى العربية ريتا باريش ونشرتها دار ممدوح عدوان، عن «جاك مورلاك»، الجندي الذي شارك في الحرب العالمية الأولى ويتبعه كلبه «غليوم» بدءاً من المزرعة، محطة القطار، مروراً بالميناء، ووصولاً إلى المعارك التي شهدها مورلاك كافة، التي خاضها أيضاً «غليوم» كصاحبه، وأورثته ندوباً وبعض الآثار الأخرى، فضلاً عن مشاركته «البارعة» في الصراع كواحد من المقاتلين، وصولاً إلى وقوفه ينبح طوال الوقت بالقرب من السجن الذي يقبع فيه مورلاك، بحراسة «دوجو» الذي يمنعه ضميره المهني من إبعاد وطرد الكلب. ويواجه «مورلاك» تهم الإساءة للنظام، بعد أن نال وسام شرف أثناء مشاركته في الحرب، وفي لحظة مفاجئة أثناء احتفال وطني، علق الوسام بطوقه الأحمر في عنق كلبه، مما جر عليه غضب السلطات التي ألقت به في الحبس، وبعثت بالمحقق ليتقصى حقيقة الأمر.خلال التحقيقات التي تجرى في منطقة بريتاني، يدين مؤلف «البرازيل الحمراء» الحرب وما أسفرت عنه من تشوه في نفوس فلاحي المقاطعة التي تقع في الجزء الشمالي الغربي من قارة أوروبا وشمال غرب فرنسا، أولئك الذين «عاشوا الكثير من الفظاعات حتى أنه لا شيء، ولا أحد يستطيع أن يرهبهم»، وعبر توغل سردي في وصف المكان والشخوص معاً يتكشف للمحقق أن الحرب حوّلت البشر إلى «وقود النظام، يستهلكهم ويطحنهم»، ويبدو فعل «جاك» مجرد وضع علامة اعتراض على الحرب ومن أجبروه على خوضها.وبين زمنين متقاربين يدور السرد في فلكهما، الأحدث ما بعد الحرب العالمية بعامين، والأقدم قبيل وأثناء المعارك، يبدو «مورلاك» محيراً، ففي الوقت الذين تدينه القوانين، يظل في عيون «فالنتين» حبيبته السابقة «بطلاً»، ورغم الضبابية التي تلقي بها الحروب على أدمغة الناس، وتدفعهم إلى حالة اللافهم، فإنها تستطيع - نقصد فالنتين- التمييز لتقول للمحقق في تحد «إنه بطل أليس كذلك؟ لا أفهم لم كل هذه الضجة»، فيما ينتهي بالمحقق ليراه مجرد «قزم تنهشه طموحات عملاق»!يجدر بنا أن نقول إن كريستوفر روفان، كاتب يتمتع بالحس الساخر، لكنها السخرية غير الفجة، تتسلل خفافاً إلى اللغة والسياقات.قد يلتزم بالجدية في رسم المواقف، لكنها الجدية المبالغ فيها حتى يبدو الجميع بصورة كاريكاتورية، الجميع تحت وطأة الحرب يتصرف بميكانيكية، آلات تدور في رحى المعارك، ومن يشذ عن الميكانيكية استجداء لإنسانيته يتعرض للمحاكمة، وتستحيل الحوارات مباريات في السجال والمراوغة، أطرافها المحقق والجندي السابق السجين الحالي وصديقته فالنتين. وروفان، الفائز بجائزة غونكور مرتين 1997 و2001، ليس بعيداً عن الصراعات ، فسبق وأن عمل كطبيب مع منظمة أطباء بلا حدود، وشهد الصراعات الدولية بما في ذلك القائمة في كردستان ونيكاراغوا وسقوط نظام الرئيس فرديناند ماركوس في الفلبين وسبق أن قاد بعثة إنسانية فرنسية إلى البوسنة.وفي روايته «الطوق الأحمر» يختار منطقة بريتاني، كفضاء ريفي يكشف عن ثقافات الأوروبيين في تلك الحقبة الزمنية، فأهل الإقليم الذي يقع في الخط الساحلي أقصى غرب فرنسا، يتحدثون اللغة القديمة ويحتفظون بعادات قديمة مثيرة للاستغراب مر عليها زمن طويل. يبدو أنهم يحذون حذو أسلافهم، فهم لا يواكبون الاتجاه السائد في فرنسا مما يزيد من جاذبيتهم وتوافد الزوار بكثرة عاماً بعد عام، وتظل المناسبات الخاصة سبباً في توضيح العادات البريتانية التقليدية. كما يتوقف المؤلف طويلاً أمام مشهد تعليق الطوق في عنق الكلب ليكشف عن موقف الجماهير من الصراع الدولي الذي دفع الفقراء والضعفاء ثمنه، هنا يحكي الراوي «انتبهت الحشود المنتشرة في الميدان إلى هذا الاستفزاز، فانفجرت عاصفة من الضحك والنكات، وسمعت عبارة، فلتسقط الحرب، مختلطة بالتصفيق.كان الرقيب غابار، الذي شاهد من مكتبه العرض السيئ للمدعو مورلاك وكلبه بطوقه الأحمر على رأس القوات، هو من شرع في إلقاء القبض عليه، مما أثار العداء بين الحشود، تم رجم الرقيب بالحجارة، فأصيب بجروح طفيفة في الرأس، وأمر المحافظ بتفريق الحشود طالباً تدخل القوات بالزي العسكري الذين تم إعدادهم من أجل العرض، وانتهى الحفل هذا العام دون التمكن من تقديم التكريم الرسمي للأمة».من جانبنا، نتوقف نحن أمام تيمة اعتمد عليها المؤلف، وهي تشديده الدائم على نباح الكلب، فإلى أي علامة يدل النباح؟ الإجابة تتطلب حفراً فولكلورياً حول صورة الكلب في الثقافة الشعبية الغربية، وبالمناسبة هي لا تختلف كثيراً عن نظيرتها، الثقافة الشعبية العربية،، فكلتا الثقافتين تحتفظان بموروث يرى في الحيوان قدرة على رؤية الشياطين، ونباحه دليل قرب حدوث سوء، وربما مرد ذلك بعض الرؤى الأسطورية القديمة، وموروثات دينية، ففي الكتاب المقدس يشار إلى الكلاب قرابة 40 موضعاً، تحمل غالباً دلالات سلبية، أما في المعتقدات الشعبية الغربية فيلعب دور رفيق الأرواح إلى الموت، وينقسم لأربعة أنواع، أسطورية، هي: سيربير، كلب بثلاثة رؤوس يحرس الجحيم، وسيو، الذئب أصل الكلاب وهو حارس الأرض السفلية، وميكسيكان، كلب أصفر يرافق الشمس في رحلتها، وأخيراً، كيوت، الكلب الضاحك الذي يوصل رسائل الأحياء إلى الموتى. العلامات التي لا يمكن تجاهلها عند قراءة «الطوق الأحمر»، وتحمل في طياتها رسالة ملخصها «ابتعدوا بحروبكم وشروركم وأرواحكم الشريرة بعيداً عن هنا».