القاهرة ـ يمثل كتاب "أفاق وأعماق" للكاتب الروائي والشاعر المصري أحمد فضل شبلول متابعة جديدة للإبداع الروائي المعاصر في مصر، وخاصة للروايات التي صدرت خلال السنوات القليلة الماضية والتي واكب بعضها أحداث ثورة 25 يناير 2011، مثل روايات: "أجنحة الفراشة" لمحمد سلماوي، و"استربتيز" لمختار عيسى، و"مريم" لشريف محيي الدين، وتحلق من بعيد في هذا الاتجاه رواية "حلم أبي" لمنى منصور. بينما حلقت بعض الروايات الأخرى في آفاق المرض الجسدي والقلق الروحي فجاءت روايات أقرب إلى التسجيلية، ومنها رواية "مقصدي البوح لا الشكوى" لمحمد جبريل، و"البرتقالة والعقارب" لطلعت شاهين. أما رواية "يهود الإسكندرية" لمصطفى نصر فتغوص في أعماق المجتمع اليهودي الذي عاش مواطنوه في مدينة الإسكندرية واستطاع المؤلف أن يتتبع جذور هذا المجتمع وتطوره منذ أن أنعم الوالي سعيد على حلاق الصحة جون اليهودي بقطعة أرض كبيرة تصارع عليها يهود الإسكندرية، وقتلوه ليصنعوا من مقامه بعد ذلك مزارا سياحيا عالميا. ويختار الدكتور أحمد صبرة لحظة فاصلة في عمر مصر، لينسج من خلالها تفاصيل روايته الأولى "المغامر" والتي تشبه اللحظات التي عاشتها مصر خلال السنوات السابقة بعد 25 يناير 2011 ما بين انهيار سلطة وصعود سلطة أخرى، والفارق بين اللحظتين (لحظة أحداث الرواية واللحظة الآنية) أكثر من مائتي سنة. بينما تحلق رواية "العاطل" لناصر عراق في آفاق القاهرة ودبي لترصد لنا حياة شاب مصري لا يجد عملا في القاهرة فيسافر إلى دبي ليعمل في أكثر من مكان، ومن خلال ذلك يكشف لنا عن أعماق هذا الشاب وعدم قدرته على التعامل مع الحياة أو مع المرأة على وجه التحديد، فهو "عاطل" أيضا عن ممارسة الحب والجنس. ويحلق الروائي محمد محمود الفخراني في عالم الحاكم بأمر الله، تلك الشخصية الملتبسة الثرية دراميا، فيدخل في أعماقه ويستخرج لنا الكثير منها اعتمادا على مقولات من المراجع والمصادر التاريخية يستطيع أن يكسوها لحما ودما إبداعيا، وعلى الجانب الآخر تغوص مارينا سوريال في "دروب الآلهة"، لتقدم لنا شخصيات من التاريخ المصري القديم، بينما يأخذنا بهاء طاهر إلى عالم الصحراء وينقلنا إلى "واحة الغروب" وحضور الإسكندر الأكبر الطاغي في هذه الرواية الآسرة. ومن الإسكندر الأكبر إلى الإسكندرية في رواية "ليل لأطراف الدنيا" لأحمد الشريف والوقوع في أسر تلك المدينة وغوايتها. ومن الإسكندرية إلى المنصورة ورواية "محطة المنصورة" لمحمد محمد السنباطي ورصد لتلك العلاقة المتشابكة للأسرة الواحدة التي تتحول أو تتشظى إلى أسر متعددة بعد أن يذهب الأبناء كل إلى عالمه وأسرته الجديدة، تاركين الأب السبعيني يعيش الذكريات والتحولات الإنسانية بمفرده وخاصة بعد رحيل زوجته. مع متابعة لـ "وقائع سنوات التيه" لانتصار عبدالمنعم التي حصلت بطلة روايتها على الطلاق فتبدأ حياة جديدة وتحلق في آفاق حبها القديم / الجديد، ولكن هناك جانب خفي آخر نكتشفه لسنوات تيه جديدة. لقد احتفل هذا الكتاب – الذي يعد الثامن عشر في سلسلة الدراسات الأدبية والنقدية لأحمد فضل شبلول - بأعمال خمس روائيات مصريات هن: ماجدة جادو ومارينا سوريال وانتصار عبدالمنعم وصباح عبدالنبي ومنى منصور. وهو ما يؤكد على تحليق الكاتبة المصرية المعاصرة في آفاق الفن الروائي بقوة وجاذبية من خلال ثقافة عميقة ورغبة حقيقية في ولوج أعماق هذا النوع الآسر من الكتابة. وخاصة أثناء لحظات صمتها الذي عبرت عنه صباح عبدالنبي فكانت "لحظة الصمت" هي "لحظة الفضيحة" التي لا يستطيع أن يتحدث خلالها أحد بعد أن حدث ما حدث. إنها لحظة صمت رهيبة خاصة عندما يتعلق الأمر بالزنا واختلاط الأنساب، لحظة كونية يحاسب الإنسانُ فيها نفسَه محاسبة عسيرة ربما يتمنى أن لو لم يُخلق من الأصل. وتبقى الإشارة إلى رواية "شهد القلعة" وهي إحدى الروايات الناعمة للكاتب الكبير إبراهيم عبدالمجيد التي تدور أحداثها في سلطنة عمان، بعد أن قدم لنا منذ سنوات رواية أخرى تدور أحداثها في تبوك السعودية وهي رواية "البلدة الأخرى". أما رواية "قهوة سادة" للسيد حافظ فهي كما يرى شبلول ليست رواية واحدة، أو روايتين كما يدعي المؤلف، وإنما هي ثلاث روايات جمعن في كتاب واحد تحت عنوان "قهوة سادة"، استطاع مبدعها أن ينسج بينها خيطا حريريا لا يراه إلا من تذوق سحر الكتابة الإبداعية، وسحر تداخل الأنواع والأجناس الأدبية، أو الكتابة عبر النوعية. وفي رواية "خيال ساخن" لمحمد العشري يلاحظ شبلول وجود تقنيات روائية مستعارة من فنون أخرى نجح الروائي في استخدامها أو توظيفها روائيا، ومن أهمها: فن الكولاج، والمونتاج السينمائي، والسيناريو وخاصة تنوع المشاهد ما بين نهار داخلي ونهار خارجي أو ليل داخلي وليل خارجي، وغير ذلك من تقنيات روائية حديثة، أو تقنيات دخلت عالم الرواية المعاصرة مثل المعلوماتية، وبلاغة الحذف أو بلاغة الاختزال، وتداخل الأزمنة واختلاطها. وكما تنوعت الروايات العشرون في عوالمها تنوعت رؤى التناول النقدي لتلك الأعمال الإبداعية، التي يقول عنها شبلول: لقد سعدتُ بقراءتها ومعايشتها والتجول مع شخوصها وأحداثها وأزمانها وأماكنها وتجلياتها الفكرية واللغوية وعوالمها الإنسانية الخصبة التي تحلق عاليا في سماء الشخصية المصرية، مثلما تتغلغل في أعماق تلك الشخصية التي تحاول أن تقربنا من معدنها الكامن فيما وراء السطور. صدر الكتاب عن وكالة الصحافة العربية ناشرون، بالقاهرة، وجاء في 226 صفحة من القطع الكبير. ويذكر أن أحمد فضل شبلول حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 2007. وله ثلاثة عشر ديوانا شعريا مطبوعا، آخرها: اختبئي في صدري – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017. يكتب للأطفال وأصدر سبعة كتب في هذا المجال آخرها ديوان "دوائر الحياة" – الهيئة المصرية العامة للكتاب 2011. يكتب الدراسات الأدبية والنقدية وله 17 كتابا مطبوعا في هذا المجال آخرها: شعراء يسكنهم السحاب. وحصل على جائزة المجلس الأعلى للثقافة ـ شعبة الدراسات الأدبية والنقدية عام 1999 عن بحثه "تكنولوجيا أدب الأطفال". أصدر بعض المعاجم العربية منها: معجم الدهر. ومعجم أوائل الأشياء المبسط. ومعجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين. وهو عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر (2001 ـ 2010) ونائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب (2005 ـ 2009). كرَّمه مؤتمر أدباء مصر 2009، والاتحاد العربي للإعلام الإلكتروني 2010، وملتقى الشارقة للشعر العربي الثامن 2010 ومجلة دبي الثقافية 2010. وهيئة قصور الثقافة 2016. وترجمت بعض أعماله الشعرية ومقالاته للعديد من اللغات الحية.