شاااااة... مربوطة في ساقية ماشية وبتجرني.. وف ثانية ألاقيني في حضن راجل زانية في النهار وجميلة بالليل طريق الماخور اعتدت أن أتمايل أثناء سيري على الطريق، أرتدي ردائي الأسود الضيق اللامع في ضوء الشمس، ألتقط نظرات الناس وإعجابهم بجسمي وببراعة مشيتي، وأتجنب نظرات البعض منهم، وكلامهم اللاذع الذي يعطل نعومة سيري، ونظرات المعجبين التي تخترق ردائي، فضحكتي علامة بارزة في الحي يَسمع صوتها كل أصم ويذوب بها كل عاشق، نظراتي ليست لأحدهم إنما تجمعهم كلهم في لقطة واحدة، ونادراً من يتربع عرش الصورة وحده إلا إذا كان بهياً، وسيماً، ومنظر جسده تحركان عيوني إليه.. فمسافة السير من السوق إلى البيت أو "الماخور"، حيث أسكن مع زميلاتي، ليست بطويلة، لكن أحداثها دائماً كثيرة، فكل مقطع أو تقاطع شارع أو ناصية منزل لا يخلو منها حدث؛ لذلك لم أكن أسير وحدي إنما أكون مرافقة لأحدهم من حراس الماخور ذوي العضلات التي ترعب ناظريها، فهو يرتدي الحذاء برأسه لا يفهم ولا يسمع شيئاً إلا أوامر سيدة هذا الماخور. عندما أدخل إلى الماخور تعود إلى حالة من البلاهة والجمود لا أدري ماذا أسميها ؟ ولكنها حالة غير طيبة على الإطلاق، رغم نشاط المكان وكثرة حركته، والمجون والأصوات العالية والإزعاج الذي يسببه في الحي إلا أن حالة الكآبة هي التي تسود المكان وتسود رواد هذا المكان. أسكن بالدور الثالث في غرفة بحرية ثاني أفضل غرفة في الماخور، فالأولى لسيدة الماخور ذات البلكون الواسع والورود المتسلسلة حول نوافذ الغرفة أما أنا فأقيم في الدور الثالث الموازي لغرفة السيدة الأولى رأسياً، على الرغم مما يغلب على المبنى من القدم فإن طرازة العتيق بالعقود المدببة من الخارج والأعمال الخشبية الكلاسيكية التي تزين سقفه من الداخل لم تختفِ، لقد كنت في صدارة إيراداته بعد الخمور والكحوليات التي تنشط اقتصاده، وتملأ خزينة سيدتنا المعروفة في مجال هذا العمل بـ"الملكة". عادةً يومنا يبدأ في الماخور عند نهاية اليوم عند أغلب الناس، فنحن ليلة الأنس والمرح ولا تحلو إلا بنسيم الليل وهدوء الشوارع وصخب المكان، ليس باضطراب الزحام وحر النهار، فالنهار للشقاء، والليل للراحة وليست أية راحة عندنا، نبدأ بالتجهيز عند الغروب حيث نبدأ بوضع الخمور وأجودها، حسب أسعار جيوب الذين يرتادون المكان، ووضع المناضد وتجهيزها بالورود والشموع، والاهتمام الأكثر يكون بالقريب من خشبة المسرح؛ حيث يجلس أغلب الزبائن هناك بحركاتهم المترددين عليه، على عكس من يجلسون في الصفوف الخلفية؛ حيث يركزون أكثر على إحدى بنات الماخور الجالسين معهم. بعد ذلك ندخل نحن البنات إلى غرفة الإعداد - أهم غرفة على الإطلاق - حيث ندخل فيها بالنعاس والأرق والهالة السوداء تحت عيوننا من كثرة السهر أو الشرب على حسب، ونخرج كملكات تُزيّن صالة العرض أو صالة الماخور الرئيسية؛ حيث جمالنا يغطي على المكان، وهذا مبدأ الملكة، أما المرحلة الثانية بعد الزينة والتجميل فهي الوصايا العشر للملكة التي تكررها لنا كل ليلة قبل الدخول إلى الصالة وتعهدها لنا وتعهدنا نحن إليها، وكأننا في نداء وطني أو واجب مقدس، ثم تتركنا بعد ذلك لكي تبدأ هي مراحل استعدادها. تدق الساعات الأولى لمنتصف الليل ثم يبدأ الحراس والعاملون في الانتشار في أماكنهم، ويفتح باب الماخور للإعلان عن البدء ليوم جديد من المرح والسعادة لكل رواد هذا المكان. ويبدأ الحراس في توزيع الزبائن في القاعة كل حسب أسعاره واحتياجاته حتى تبدأ أولى فقرات المكان. عادةً حينما تبدأ البنات في الزينة تجلس كل منا أمام مرآة، ولكنها ليست كذلك في الحقيقة، إنما ننظر بها كل يوم لنرى وجه التغيير عن أمس، أحياناً نرى تجاعيد جديدة ظهرت أو عينين لم تمسهما النوم من كثرة الإرهاق والعمل أو نلاحظ عمراً يمر ونحن أمام هذه المرآة، فهي تلتقط لنا كل يوم صورة نختلف فيها عن الأخرى على من الرغم من تكرار نفس المشهد لكن تفاصيله تتجدد يوماً بعد يوم. أحياناً أجد بعض البنات يتحدثن لأنفسهن في المرآة، وكأنها اللحظة الوحيدة التي نتعرى فيها بكامل نواقصنا وكامل صورتنا، أحياناً تظن الجديدات منهن أنهن مجنونات، ولكن يأتي يوم ويكنَّ أكثر حديثاً منا، ويعلمن لماذا نتكلم إلى أنفسنا فيها؛ لأنها أصدق لحظة نرى فيها حقيقتنا دون زينة أو ألوان، فكل منا قبيحة ليس في الخارج إنما داخلنا أيضاً ينطلق منها إشعاعاً على صدورنا، يفتح جسدنا ونرى ما خرب أو ما تبقى من دمار أيامنا، ولكن ما نؤمن به أن المرآة لا تكذب أبداً. في العادة عندما تذهب النساء ليزيّن في "الكوافير" الخاص بهن يتحدث مع بعضهن البعض عن حياتهن وأزواجهن ومشاكلهن أو أحداث طريفة حدثت معهن، لكننا في غرفة الإعداد يكون أكثر حديثنا هو الصمت وما يقطعه هو وقت نزول الصالة. حينما تبدأ الصالة في الانشغال بمرحها اعتادت الملكة في هذا التوقيت نزولنا أفواجاً، فهي تبدأ أولاً بالأقل سعراً منا، اعتباراً أن عدد زبائنهن أصبح قليلاً، وحيث إن أغنياء الصالة لا يبدأون في القدوم إلا بعد الساعات الأولى تمضي ونبدأ في أحلك لحظات المرح، ولا يمكن أن تدع الملكة الصالة فارغة حتى ذلك الوقت، فتترك هؤلاء في البداية، وعند بدء وقت الذروة تبدأ بإنزال البنات الجديدات إلى الصالة، وتدعهن يمررن على المسرح في بادئ الأمر، ثم بعد رقصة أو أخرى تنزل كل واحدة إلى زبون عندما تشير الملكة إليهن، ثم تبدأ في النزول الأكثر مبيعاً أو الأكثر شهرة أو طلباً وسط الزبائن وهي الحقيرة أنا. عادة في الليالي المهمة والأعياد ورأس السنة تدبر لي الملكة لحظة دخول مختلفة عن باقي الأيام؛ حيث تكون الأضواء مسلطة عليَّ إن أنزل بتباهيٍ -كما دربتني الملكة- رأسي عالي الهامة قامتي مرفوعة، أكتافي موازية للأرض، وأتفنن في نزول الدرجات ببهاء، ثم أمد يدي في كل النواحي منتظرة تقبيلها من سادة الزبائن، ثم تأتي الملكة تأخذني بيدها، وكأنها تعرض أفضل سلعة لديها في سوق العبيد، ثم تقدمني لأهم زبون في الصالة، الذي يدفع أكثر أو لديه اهتمامات خاصة لدى الملكة؛ لكى أكون رفيقة ليلته حتى الصباح. * يتبع الأسبوع المقبل. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.