سلطانة محمد الباحوث السعودية استمعت إليّ بضجر وأنا أنصحها، ألّا تندفع للزواج مرة ثانية، بعد فشل زواجها الأول؛ لأن الزواج إما أن ينتشل المرء من القاع ليوصله إلى القمة، أو أن يهوي به من القمة إلى القاع، ولا ضير لو بقيت عاماً أو أكثر بلا زواج؛ تعيد ترتيب حساباتها، تعالج أسباب انفصالها، وتتخلص من ذكريات تجربة فاشلة بأحداثها وضغوطها. الذي أذكره بضبابية أنني تفاجأت عندما أخبرتني بعد حوارنا بعدة أيام أنها عقدت قرانها الثاني، بينما لم يمر على انفصالها سوى بضعة أشهر، فأدركت حينها أنها زجت بنفسها في المجهول رغبة في الانتصار، ولإغاظة الشامتين من حولها. لكن فرحتها لم تدم، إذ لم يمض عام ونصف العام على زواجها لتكتشف أنها لم تكن سوى ورقة صلح رابحة لزوج أراد تعديل حال زوجته المائل، التي بدورها ما لبثت أن تعهدت له بالالتزام، شرط أن يخلصها من كابوس ضرتها، لتحل كارثة الطلاق الثانية. عندها عادت تجر حزم الندم في مساء أُعلن فيه انهيار جسر أمنياتها.. كانت أعينهم ترصد قتلها، وألسنتهم تلومها بلا هوادة، فلم تحتمل أصواتهم ونظراتهم التي مزقت فؤادها، لتهرب إلى مخدعها الذي ودعته قبل عام ونصف العام، وظنته الوداع الأخير، هنا بين هذه الجدران الأربعة كانت تستعد لحياتها القادمة وعلى حافة تلك النافذة كانت تدهن ضفائرها بنشوة الأمل، وتنسج أمنياتها بألوان قوس قزح، وأمنية واحدة نسجتها بعلامة فارقة، أن تحبل بطفلة تردد في جنة أبويها: ماما.. بابا، حتى أشرقت شمس الموعد المنتظر، وهي مولعة بالتمني ترقص وتغني، ونداءات خفية لنصفها القادم من بعيد: مرغ قدميك في أرضي لتمتزج الروح بالوطن، لتصحو فجأة على غدر المتآمرين على أحلامها.. أي فاجعة تخترق سمعها!.. فبعد أن كانت الزوجة والحبيبة أصبحت الغريبة، ماذا تسمي هذه النهاية التي قررت أن تكون قدراً ثابتاً في حياتها تمنعها من إغماض عينيها في سلام؟! فكلما أشعلت أمنياتها، وأنهكت انفعال جداولها، عاد حظها العاثر يعلن انهزامها ويعيدها إلى نقطة الصفر من جديد. تلمس الأشياء من حولها ولا تشعر بها، تحاول مقاومة صدمتها فلا تستطيع، تنظر في المرآة فتخجل من نفسها لانحطاط كرامتها وقدرها، تتحسس بطنها الذي يكبر يوماً بعد يوم فتنحني باكية، ثم تخاطب نفسها بصوت مجروح، وبقلق وخوف من القادم المجهول: «في أي خانة سأصنف بعد طلاقي للمرة الثانية!.. وما هو مستقبل الجنين العائم في أحشائي؟.. ولماذا يلومونني وهم الذين دفعوني لخوض تجربتين قاسيتين، مرة من أجل الهرب من قافلة المتأخرات عن الزواج، ومرة من أجل التخلص من لقب مطلقة، وفي كلتا المرتين كنت أخسر عمراً وأنغمس في الوهم؟! ظلت هكذا تعاتبهم وهي مسندة ظهرها على سريرها كخشبة حتى ابتلعت الشمس حلكة الليل.