×
محافظة المنطقة الشرقية

الزاكي : الخليج في أزمة خانقة

صورة الخبر

في زمن ما بعد الحداثة لا حدود بين الفنونتفصح الأجيال الشعرية الشابة في السعودية عن قدرتها الهائلة على تجاوز النص الأول الذي يعده النقاد أباً نفسياً لتجاربهم، فهم ما إن يشرعوا في الكتابة حتى نجدهم قد قفزوا على جدران الوهم الكلاسيكية محصنين بقراءاتهم ومطالعاتهم وتأملاتهم الشخصية، فلا يقفون مرتبكين في المنتصف أمام تجارب أسلافهم، بل يذهبون إلى أقصى ما يمكنهم الذهاب إليه، ثم لا يعودون إلا وهم محملون بتجاربهم الجديدة المتولدة من معاركهم الخاصة مع الحياة. “العرب” توقفت مع الشاعر السعودي الشاب إبراهيم حسن للحديث معه عن مجموعته الشعرية الأولى وعن بعض القضايا الثقافية والفكرية التي تشغل الجيل الجديد.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/03/24، العدد: 10581، ص(15)]أكتب مثل سجين اكتشف فجأة ألا سبيل للنجاة من خلال مجموعته الشعرية الأولى “العائد من وجهه” اختطف الشاعر السعودي الشاب إبراهيم حسن المركز الثالث في مسابقة جائزة بيت الشعر للإصدار الأول في دورته الثانية، التي حملت اسم فوزية أبوخالد في ديسمبر 2016. حيث استطاعت نصوصه أن تؤكد للقارئ قدرة الشعراء الجدد على صناعة الدهشة والأسئلة التي ربما تكون هي نافذة نجاتهم الوحيدة من بؤس العالم. لهذا لا غرابة في أن يرى الشاعر في حديثه لـ”العرب” أنه بعد إصداره الأول يجب عليه أن ينتظر طويلاً، ليفصح عن المشاريع التي بين يديه، والتي يكاد يخفيها، لكونه تعوّد دائماً -حسب تعبيره- أن يظهر في كامل أناقته الشعرية. العائد من وجهه عن فوزه بالجائزة يقول حسن “رغم إيماني الكبير بعدم جدوى الجوائز في خلق المبدع الحقيقي، إلا أنها -حتماً- ستذهب -إذا كانت مختلفة- إلى المبدع الحقيقي. وسأقول صادقاً إن هذي الجائزة كانت تجربة ثرية ومختلفة بالفعل. لقد استفدت حقا من كل شيء، فهي لم تكن بالنسبة إلي مجرد مسابقة، بل كانت منعطفاً جميلاً ومهماً في علاقتي مع الشعر بشكل خاص، ومع كل الفنون”. ويتابع ضيفنا حديثه عن مناخات مجموعته، الصادرة مؤخراً عن دار مسعى بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، قائلا “كانت السفر بلا بوصلة، طريقا يتفرع مثل أغصان شجرة مجتهدة في درس الربيع. لم تكن لي مناخات معينة، كانت كل قصيدة وكأنها الأخيرة، أوراقي مبعثرة في كل مكان، كنت أكتب مثل سجين اكتشف فجأة ألا سبيل للنجاة من الجنون سوى النحت على جدران زنزانته. هكذا بدأت، وهكذا سوف أنتهي”. وهذا ما أكّدت عليه لجنة تحكيم الجائزة حين قالت عن تجربة إبراهيم حسن إنه “يدفع باللغة مثلَ عربةٍ في جميع الاتّجاهات حتى لا يفلتَ من يديه خيطُ الاستحضار، لذا تصنعُ قصيدتُهُ فجواتٍ عادةً ما تكون مخابئَ سريّةً يستريح فيها الشاعر من عناء الاستحضار. التفكير في القصيدة من الداخل هو ما تعملُ عليه تلك الفجوات عند الشاعر. لذلك لا شيءَ يحفّز القصيدةَ على قول ما لا يمكنُ قولُه خارجَها سوى ما تتركه هذه الفجواتُ من آثارٍ ملهمة على الشاعر”. تميل المجموعة إلى تقنيات القصة القصيرة جداً، معتمدةً على فعلية الجملة، وعنصر الدهشة، وأنسنة الكون، ومستعينةً في ذلك كله بالرمز والإيحاء والخاتمة المتوهجة بالدهشة والأسئلة. وبإمكان القارئ لبعض النصوص تبيّن البدايات والنهايات والحبكة في الجملة الشعرية بالأفعال المتعاطفة، الأمر الذي ربما يدفع البعض إلى اعتبار إبراهيم في المجموعة قاصاً أكثر من كونه شاعراً.الشعرية غير مرتبطة بإيقاع الوزن فقط، ولا يمكننا الفصل أو التمييز بين الفنون المتساوقة في ما يسمى نصا وعن ذلك يعلّق ضيفنا قائلا “بدءاً -وكما تعلم- الحدود تكاد تمّحي بين الفنون، في زمن ما بعد الحداثة تحديداً، وبالتالي لا يمكننا الفصل أو التمييز بين الفنون المتساوقة فيما يسمى نصا، ومن هنا يصعب على القارئ العادي، أحيانا، معرفة ما إذا كان النص الذي يقرأه قصيدة نثر أم قصة قصيرة جداً لافتقاره إلى السياق الذي يشكّل الأرضية المتينة للتلقي. وإن جاز لي التمييز -وهذا عمل الناقد بالطبع- يمكن أن أميز القصة القصيرة جداً بالتزامها حكائية ما، في حين لا يلزم ذلك قصيدة النثر بالضرورة”. جرّب حسن في “العائد من وجهه” نمطين من أنماط الكتابة الشعرية مختبراً شاعره في قصيدة التفعيلة والنثر. وأستثني هنا النصوص “غياب” و”طواف”، “والعائد من وجهه” والمقطعين الأول والثالث من نص “صهيل يتسلق الهاوية” التي جاءت نصوصها تفعيلة. هذا التنوّع في هندسة البناء الشعري دفعني إلى الحديث معه حول أين وجد إبراهيم شاعره، أم أنه ما زال يجرّب ويختبر، أم أن نمط الكتابة الشعرية لا تعنيه أصلاً؟ لا وجود للأجيالسفر بلا بوصلة يقول حسن “سبق أن حدثتك إثر السؤال السابق عن التساوق بين الفنون، لكني أود أن أضيف أن الوزن ليس ضمن بعض التعريفات لدى أسلافنا القدماء، ومن هنا تكون الشعرية غير مرتبطة بإيقاع الوزن فقط، ومن هذه النقطة تحديداً أنطلق قائلاً إن كان هنالك نمط للكتابة الشعرية فهذا الأمر لا يعنيني خصوصاً فيما يسمى الوزن، لذا حين أكتب نصي أكون متخلصاً من كل الأحمال التي قد تعيق تدفقه، أو تقاطع فكرته مفضلا التجريب، فهو مرحلة مستمرة لا تتوقف إلا بتوقف صاحبها. قصيدة النثر التي أكتبها دائماً هي الأقرب إلي من حيث أني أستطيع التعامل معها بحيوية ومرونة كصديقة مقربة، وإن كانت قصيدة التفعيلة -كصديقة عابرة- لا أتردد في اقتناصها إذا أتتني طائعة”. يرى إبراهيم أنه لا يمكن أن يقدّم شهادة ناجزة لمشهد هو جزء منه، لكنه يحيل قراءة المشهد إلى ناقدين، ويعبّر عنهما بالناقد المبصر والناقد الزمن. فهما –حسب تعبيره- الكفيلان بالإجابة عن الأسئلة المفخخة المهتمة بالهم الشعري لدى الشعراء السعوديين الشباب. ويذهب إبراهيم إلى أن مثل هذه الأسئلة تسقط الشاعر في نرجسية تلبسه ثوب الناقد والمنظّر. لكنه يجيب مختصراً “إن الأسئلة وقود الشاعر عموماً، فهو في حالة بحث دائمة، ولا إجابات”. الحديث عن الجيل الجديد من الشعراء في السعودية قادني إلى الحديث عن تجارب الثمانينات من القرن العشرين في السعودية، وعما إذا كانت قد أخذت حقها من النشر والحضور والكتابة، وهل يجب عليهم أن ينزلوا من منابرهم لجيل شعري جديد، لديه أجوبته وأسئلته واشتغالاته الجديدة المتناسبة مع زمنه؟ يجيب حسن “بالنسبة إلي لا أرى التجارب الشعرية من هذا المنظور، وكأننا في طابور طويل أمام ساحة الشعر، من ينتهِ دوره يغادرْ. الفن الحقيقي سوف يبقى، وما زال لدى الجميع ما يقولونه. ولمن يريد أن يجد صوته من هذا الجيل أو من غيره، نقول له إن الأسئلة لا تتوقف، والاشتغالات لا تنتهي، والأجوبة سوف تبقى مطارَدةً حتى يستحيل كل شيء إلى عدم. أما بخصوص جيل الثمانينات من القرن الماضي -وأنا لا أؤمن بالتصنيف والتجييل- فقد ولد في رحم المعمعة، حين كان الصراع محتدماً بين التيار المتشدد الذي يرى في كل جديد ريبة، وبين أنصار الحداثة، ما أنتج معركة لا ناقة للفن فيها ولا جمل، وركب الموجة من ركبها من أنصاف الشعراء أو المتشاعرين، ليأخذوا مكاناً مائزاً بين أقرانهم الذين كانوا شعراء حقيقيين وفق مقاييس مرحلتهم”.