ما الشعور الذي ينتابك وأنت تشاهد صورة المحتسبين متجمهرين أمام مجلس الشورى للتعبير عن رفضهم أن يقر مجلس الشورى إدراج التربية البدنية في مدارس البنات؟، أو صورتهم وهم يتجمهرون أمام الديوان الملكي للتعبير عن رفضهم الابتعاث والمطالبة بإيقافه، أو غير ذلك من أشكال الاحتجاجات الاحتسابية غير المستندة على علم ولا على حق! ما الفرق بين هذه الوفود والوفد الشهير الذي توجه إلى الملك فيصل ــ رحمه الله ــ للاحتجاج على فتح مدارس البنات فبل ما يزيد على نصف قرن؟ لقد مر على تلك الحادثة الشهيرة أكثر من خمسين عاما، إلا أن مرور تلك الأعوام الطويلة لم يكن كافيا ليحدث أي تغيير في نمط التفكير ونظرة البعض إلى طبيعة الحياة وما يعتريها من تغير وفق سنة الله الدائمة التي فطرها عليها! إن ردة الفعل الأولى التي قد تعتري البعض منا عند رؤية أولئك المطالبين بإيقاف الابتعاث وعدم إدراج الرياضة البدنية ضمن المنهج التعليمي للبنات، هي التساؤل عما كان تعليمنا يفعله خلال نصف قرن من الزمن؟ فهؤلاء المحتجون وإن كانوا أحفاد أولئك الذين سبقوهم بإبداء الاعتراض على تعليم البنات، إلا أنه يتوقع أنهم تلقوا تعليما وتنشئة مختلفة عما تلقاه أجدادهم، فلم لم يظهر أثر لذلك عليهم وظلوا يعيشون حسب تفكير آبائهم الأولين؟ كيف عجز التعليم عن إنارة البصائر رغم أن إنارتها هي مهمته الأولى وغايته الكبرى؟ هؤلاء المحتسبون يمثلون مخرجات التعليم عبر العقود الطويلة الماضية، فإن كانوا قاصرين عن رؤية الصواب منقادين وراء فكر من سبقهم، فاللوم لا يوجه لهم، وإنما لذلك التعليم الذي تقاعس عن أن يبني لديهم مهارات التفكير النقدي الذي من شأنه جعلهم قادرين على المقارنة والتأمل والتفحص ليميزوا باستقلالية فكرية ووعي حر يقظ جوانب الخير من الشر! هناك من يلقي اللوم على الفئات المغالية، وأنها هي التي غسلت أدمغة الشباب واستعبدت أذهانهم وخدرت التفكير عندهم حتى صاروا يسيرون وراءها بلا مناقشة ولا تساؤل، بعد أن نجحت في أن تنشر بينهم ثقافة (الصواب في اتباع الكبار والاقتداء بهم دون مناقشة أو مراجعة)، فهم دائما الأعرف والأقدر على التمييز، كما أنهم لا يكذبون ولا يضلون. ولكن حتى إن بدا ظاهريا أن الفئات المغالية هي المسؤولة عن إبقاء العقول في الظلام، ذلك لا يبرئ التعليم من اتهامه بالتقصير في قيامه بدوره التنويري، ليس هذا فحسب، وإنما أيضا تقصيره في انسحابه من الساحة وتركها خالية لأولئك المغالين ليقوموا بتخدير عقول الناشئة حسب ما يرون ويستحسنون.