×
محافظة المنطقة الشرقية

فنادق رأس الخيمة تتسابق على سياحة المؤتمرات

صورة الخبر

يحتفل الاتحاد الأوروبي غداً بالذكرى الستين لتوقيع معاهدة روما التي كانت اللبنة الأولى لتشكيل المجموعة الاقتصادية الأوروبية. ولهذه المناسبة، قد يكون ملائماً الحديث عما يمكن اعتباره رؤيةً عامةً لمسار ثلاث قضايا مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية على حد سواء. فلا شك في أن العلاقات الأوروبية - العربية كانت تحمل دائماً في خلفيتها بعدين تاريخيين، أولهما قديم يتناول العلاقة المعقدة والمتشابكة بين الطرفين على مدار التاريخ العربي الإسلامي لقرون، وهي علاقة تراوحت بين الصدام والتعايش والتعاون، وإن تركت عليها فترة الحروب الصليبية من جهة العرب والمسلمين وفترتا الوجود الإسلامي في إسبانيا وضم دولة الخلافة العثمانية لمناطق واسعة من أوروبا من جهة أخرى بصمات سلبية. ويتمثل البعد التاريخي الثاني في التاريخ القريب، ونعني الاستعمار الأوروبي المباشر أو غير المباشر، عبر الهيمنة والسيطرة على غالبية الأراضي العربية، منذ الحملة الفرنسية على مصر والشام في 1798 وحتى النصف الثاني من القرن العشرين. لذا كان متوقعاً أن تأخذ الأمور بعض الوقت حتى تندمل الجراح ويتمّ التمهيد لبناء أرضية جديدة لانطلاق العلاقات العربية - الأوروبية على أسس صحية ومتكافئة تحقق مصالح متبادلة للطرفين. وبالتالي لم تشهد نشأة المجموعة الأوروبية في أعقاب معاهدة روما أي تلازم مع تحرك أوروبي أو عربي لفتح باب الحوار مع الطرف الآخر، إلا أن البعض بدأ يؤرخ لبدء الحوار العربي الأوروبي بتبني جامعة الدول العربية هذا الحوار في سبعينات القرن العشرين، بينما يعتبر البعض الآخر بداياته أوروبية مرتبطة بأزمة النفط خلال وعقب حرب أكتوبر 1973 نتيجة معاناة أوروبا من الحظر النفطي العربي وإدراكها القدر المتعاظم من اعتمادها عليه، ويذهب البعض الثالث إلى تاريخ أبعد يتمثّل في تحولات الموقف الفرنسي إزاء الصراع العربي- الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967. قبل تناول الملفات الثلاثة في سياق العلاقات الأوروبية - العربية، من المهم توضيح ثلاثة أمور اتصفت بها هذه العلاقات أو أثَّرت عليها. أول هذه الأمور هو أن انتهاء الحرب الباردة في مطلع تسعينات القرن العشرين أدى إلى تركيز اهتمام الاتحاد الأوروبي، وربما أساساً تحت تأثير ألمانيا، على التوسع في اتجاه الشرق لضم دول شرق ووسط أوروبا والبلقان التي كانت منضوية تحت راية الشيوعية، وهو اهتمام أثَّر سلباً، لبعض الوقت، في درجة الاهتمام بتطوير العلاقات بين الاتحاد والبلدان العربية، وخاصة البلدان العربية المتوسطية. أما الأمر الثاني فهو أن الدول الأوروبية المتوسطية الأعضاء في الاتحاد كانت تقليدياً الأكثر تفهُّماً لكيفية التعامل مع البلدان العربية، خصوصاً المتوسطية منها، وكان هذا التفهم أقلَّ من جانب بلدان وسط أوروبا وشمالها، بما في ذلك مثلاً دولة بحجم ألمانيا، وربما كان الاستثناء هنا هو حالة بريطانيا نظراً إلى تجربتها الطويلة السابقة كدولة استعمارية في المنطقة العربية. أما الأمر الثالث، فإنه من المهم الترقب والبحث في النتائج المحتملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على مواقف الاتحاد إزاء القضايا العربية. وإذا بدأنا بالقضية المركزية للعرب وهي القضية الفلسطينية، وعلى رغم تأخر تبلور موقف أوروبي شامل ومتكامل إزاءها، فإن تلك المواقف، ومنذ إعلان البندقية عام 1980، كانت دوماً أكثر تقدماً من مواقف بقية الأطراف المشاركة مع الاتحاد الأوروبي في التحالف الغربي، بخاصة الولايات المتحدة. ولحق بهذا الموقف العديد من التحولات النوعية التي كانت من أهمها الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2012 و2013 في شأن استهداف المنتجات التي تصدرها المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى دول الاتحاد. وعلى الجانب الآخر، وبينما بقيت المواقف الأوروبية أقلَّ من المطلوب عربياً تجاه موضوعات متصلة بالقضية الفلسطينية، مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإنها تمسَّكت بالإشارة إلى القدس الشرقية كجزء من الأراضي المحتلة عام 1967. ويتعين فهم حدود قدرات الاتحاد الأوروبي في ممارسة ضغوط على إسرائيل، مع إقرار بأن هذه القدرات لم تصل إلى مداها بعد. كما أنه مرة أخرى، وعلى الصعيد العملي، فإن عضوية الاتحاد الأوروبي لسنوات في ما سميَّ اللجنة الرباعية لتسوية القضية الفلسطينية، وخلال سنوات رئاسة جورج الابن بوش للولايات المتحدة، قد تكون أراحت الاتحاد من الاضطرار إلى اتخاذ مواقف موحدة في ظل اختلاف مواقف الدول الأعضاء تجاه تلك القضية، ولكنها في المقابل أثَّرت سلباً في إمكان بلورة موقف ديناميكي للاتحاد إزاءها وعزَّزت الترويج لمقولة أن الاتحاد الأوروبي لا يقدر ولا يريد اتخاذ مواقف سياسية قوية إزاء تلك القضية. وربما كان الاستثناء الأهم هنا هو التحرك الفرنسي خلال الشهور الماضية لعقد مؤتمر دولي لإحياء جهود تسوية القضية الفلسطينية على أساس مرجعيات مقبولة من الجانب العربي. وثاني الملفات هو الملف الاقتصادي بأبعاده المختلفة. وهنا تتباين علاقات الطرفين ولا يمكن الحديث عنها ككتلة واحدة، على الأقل من الجانب العربي. فبناء العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية الغنية في الإنتاج والاحتياطات من النفط والغاز الطبيعي كان في الأصل بناءً على معادلة بسيطة مرتكزة على نوع من المقايضة بين ضمان حصول البلدان الأوروبية على حاجاتها من الطاقة، وضمان حصة معقولة في استثمارات قطاع الطاقة في تلك الدول، وذلك مقابل تدفق الاستثمارات، أو تشجيعها، من قبل البلدان الأوروبية إلى تلك الدول، بالإضافة إلى تصدير خليط من السلع والخدمات إليها غلب عليها الطابع الاستهلاكي وبدا فيها سعي من جانب البلدان العربية المعنية لتحقيق ميل إلى التوازن في مرحلة أخرى بين السلع الاستهلاكية والوسيطة والرأسمالية. ولكن العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والبدان العربية المشمولة بنتائج عملية برشلونة لعام 1995، التي تم التوصل بينها وبين بلدان الاتحاد إلى اتفاقيات شراكة ثم جوار، اتصفت بكون العلاقة الاقتصادية واحدة تجمع بين المساعدات المالية والتقنية والاستثمارات ونقل المعرفة والتكنولوجيا، لكنها تدخل ضمن إطار أشمل يتضمن موضوعات ذات طابع سياسي أو اجتماعي أو ثقافي أو إنساني مثل حماية حقوق الإنسان وتحسين أوضاع المرأة ونشر ثقافة التسامح والتعددية والتعاون في مكافحة التطرف والإرهاب والتصدي للهجرة غير الشرعية، وسعي الاتحاد الأوروبي لتأكيد العلاقة المتشابكة بين تلك الموضوعات مقابل محاولة بعض الأطراف العربية المعنية أحياناً فك ذلك الارتباط. وبقيت العلاقة الاقتصادية بين بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية المندرجة ضمن تصنيف الأمم المتحدة للبلدان الأقل نمواً محكومة بتقديم مساعدات من الجانب الأوروبي مقابل الحصول على امتيازات في تلك البلدان، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية. أما ثالث الملفات فيتمثل في مطالبات بتعويضات مقابل أضرار حلت بهذا البلد العربي أو ذاك من جراء فترات الاستعمار، وما يرتبط بذلك غالباً من مطالبة باعتذار صريح وذي طابع تاريخي من الطرف الأوروبي للطرف العربي عن التسبب في هذه الأضرار. ولقد شهدنا الحالة الإيطالية - الليبية في عهد رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلوسكوني والعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث بدا أنها أول حالة نجاح لدولة عربية في الحصول على الاعتذار والإقرار بارتكاب جرائم ضد ليبيا والتعهد بتقديم تعويضات. ولكن «الصفقة» تضمنت أيضاً تقديم ليبيا تسهيلات لاستثمارات إيطالية في عدد من المجالات، وكذلك التعهد باستيراد سلع إيطالية بقيمة فاقت قيمة التعويضات التي التزمت إيطاليا تقديمها. ومنها ما يخص مطالبة فرنسا باعتذار عما ارتكبته خلال استعمارها الجزائر ومن ثم إمكان المطالبة لاحقاً بتعويضات، وما يخص مصر تجاه الدول الأوروبية التي شاركت في الحرب العالمية الثانية على أراضيها وزرعت مئات الآلاف من الألغام في صحرائها الغربية. وفي أعقاب أحداث «الربيع العربي»، برزت مطالبات من دول مثل تونس ومصر برد أموال أخرجها رئيساهما السابقان زين العابدين بن علي وحسني مبارك بشكل غير شرعي. لقد عرضنا ثلاثة فقط من الملفات المتعلقة بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية، وذلك بالتركيز على القضية الفلسطينية وملف العلاقات الاقتصادية وملف مطالبات دول عربية بالاعتذار والتعويض من جانب بلدان أوروبية، إلا أن قائمة القضايا التي تهم الطرفين والموضوعات المشتركة طويلة ومتزايدة وتتسع للكثير من التحليلات والتقديرات والتقييمات.     * كاتب مصري