حالة حزن انخرط فيها الشارع المصري عقب الهزيمة في 5 يونيو 1967، وما لبث المواطنون للم شملهم واستعادة العزيمة مجددًا حتى توفي الرئيس جمال عبدالناصر وحلّ مكانه نائبه محمد أنور السادات، والذي بدا مستبعدًا للخيار العسكري لاستعادة الأرض المسلوبة، حتى اتهمته المعارضة بمماطلته فيما يخص شن الحرب. هذا الشكل الذي ظهرت عليه مؤسسات الدولة على المستويين المحلي والدولي كان مخالفًا لما هو على أرض الواقع، بسبب دأب جهاز المخابرات العامة المصرية على التجهيز لمعركة العبور، وكشف أسرار جيش العدو وفق المذكور بموقع «المجموعة 73 مؤرخين». وبالفعل شرع رجال المخابرات في دراسة أهم قادة جيش العدو، وسلطوا الضوء على الجنرال «إيزاك رابينوفيتش»، وهو يهودي روسي هاجر إلى إسرائيل قبل حرب 1948، وتدرج في المناصب العسكرية حتى وصل إلى رتبته بعد النكسة. مظهر «رابينوفيتش» لم يكن دالًا على جنسيته، وهو صاحب بشرة سمراء بخصلات شعر أسود اللون، ووفق التحريات المخابراتية تبين عشقه الجم للأموال، وعلى النقيض محترف في لعب القمار كل سبت، حتى أصبح هذا الأمر نقطة ضعفه، لفرحه الشديد في حالة الانتصار، وبكائه عند خسارته. لـ«رابينوفيتش» كنز ثمين للمخابرات المصرية يتمثل في شفرة الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي، وهي الموجودة داخل خزنته الخاصة بمنزله، وللأمان أخفاها في مكان لا تعلمه زوجته نفسها. وبانتهاء جمع المعلومات عنه لم يجد رجال المخابرات سوى اقتحام العالم السري من خلال بوابة لعبة القمار، مستعينين بعميل من داخل إسرائيل نفسها يُدعى «دافيد باراهودا»، وهو المنضم للجانب المصري بدءًا من 1970 بسبب كرهه للعيش وسط الصهاينة. دخلت العملية حيز التنفيذ في شتاء 1972 بتوجه «باراهودا» إلى باريس بناءً على أمر من المخابرات المصرية، وهناك التقى بالضابط «أمجد» الذي اصطحب معه خبيرًا في ألعاب الورق، وهو ما درب العميل على حيل القمار، لذلك حملت اسم «أوراق اللعب». وبانتهاء فترة الإعداد عاد «باراهودا» إلى إسرائيل بصحبة رجل أعمال فرنسي يحمل جواز سفر باسم «فرانسوا مولييه»، وهو شخص متمكن من لعب القمار. وفي تل أبيب قدّم الثنائي «باراهودا ومولييه» نفسهما كمحترفين في لعبة القمار، وخاضا المنافسات في أمسيات السبت ما أثار استفزاز الجنرال «رابينوفيتش» الذي طلب أن يلاقيهما، وتمكن في الفوز عليهما عدة مرات بتساهل منهما حتى يكسبان ودّه، رغم براعتهما العالية. وبتكرار فوز «رابينوفيتش» كرر منافساته مع الثنائي، واللذان تظاهرا بتقبل الهزيمة حتى تستمر علاقتهما به، وللوصول إلى خزنة الشفرة افتعلا خلافًا مع أحد نادلي صالة القمار ورفضا بعدها فكرة التوجه إلى هذا المكان مجددًا. وقتها شعر «رابينوفيتش» بنقص لفقدانه الثنائي، والذي يتحصل من ورائهما على الأموال لفوزه المتكرر عليهما، وبحلول صيف 1973، أي بعد 4 أسابيع من شجار الصالة، تركت زوجته المنزل بعد ربحها رحلة مجانية من شركة «بيتون» لمدة شهر، وعلى إثره دعا رفيقيه للحضور إلى بيته للعب. وقبل الثنائي دعوة «رابينوفيتش» لإكمال سهرتهم بمنزله، وفي كل مرة يحقق فيها النصر لا يلتفت سوى للأموال التي ربحها وبجانبه «باراهودا»، في حين يبدأ العميل الآخر في التجوال بحثًا عن الخزينة السرية، وبعد 3 ليالي تمكن من العثور عليها. في السهرة الرابعة احتاج العميل، وهو في الأصل خبير خزائن، لـ4 ساعات فقط لفتح كنز الأسرار، وبالفعل بعث إلى المخابرات المصرية ميكروفيلمًا يحتوى على عشرات الصور التي التقطها لكل الوثائق السرية التي عثر عليها، ومن ضمنها شفرة الدفاع الجوي، وذلك كله في غفلة من «رابينوفيتش» الغارق في نشوة الانتصار على «باراهودا». بعدها عادت الزوجة من رحلتها التي تكفلت المخابرات المصرية بمصروفاتها لمساعدة عميليها، واللذان طلبا العودة إلى صالة القمار من جديد عقب إتمام المهمة، قبل أن يتوجها إلى باريس في 4 أكتوبر 1973. ووعد «رابينوفيتش» الثنائي بضرورة عودتهم في سهرة السبت، 6 أكتوبر، لإكمال اللعب، إلا أنه فوجئ في ظهر نفس اليوم بنجاح ضربات الجيش المصري جويًا ودك الحصون الإسرائيلية بامتياز.