×
محافظة المنطقة الشرقية

علي بن خليفة يرعى إشهار رابطة ريال مدريد في البحرين

صورة الخبر

حرية الإنسان، ومنها حريته في التعبير، قضية محورية، وبنية عميقة، تنتهي بها كثير من القضايا، وتؤول إليها، ونجد أنفسنا دوما مع مَنْ يختلف عنا نصطدم بها، ونعود إليها.. الدول تُقاس بمواطنيها، والمجتمعات تُعرف بالمنتمي إليها، والإنسان يُخبر عن وطنه كما يُخبر عن نفسه، ولعله في هذه الأعصار ألصق بدولته منه بأسرته، فالأوطان هي الأسر الكبيرة، وما دام في المرء شيء من أسرته وبعض منها؛ ففيه من دولته شيء أعظم، وأثر أكبر، هي تأخذه في محاضن تعليمها من السادسة حتى يُناهز الثالثة والعشرين، يقضي أهم ساعات يومه فيها، يتلقّى، وهو غض الإهاب، التربية والتعليم، ويخرج بعد ذلك من مراحل التعليم المختلفة، وهو صورة صادقة عن بُعدي التربية والتعليم اللذين وقعا له، وهكذا يذهب المسؤولون وينتظر الخبراء في التربية والتعليم، ويبنون على ما ينتظرون من التعليم أن يقوم به أسئلتهم المستغربة واستفساراتهم الحائرة من خروجه من التعليم، بعد أن قضى ما يقارب ستة عشر عاما، على غير ما كانوا يتوقعون وينتظرون. تعجّب المسؤولين من حصيلة المتعلمين واستغراب العاملين في سلك التعليم منها حجة ظاهرة، وبينة جليّة، على أن المواطن صورة في تربيته وتعليمه لوزارات التربية والتعليم في العالم، وأنها أول المسؤولين عنه، وأعظم المشاركين في تكوينه، وذاك هو الشيء الذي تُقرّ به هذه الوزارات، ويدفعها إيمانها به، وتصديقها بما فيه، إلى أن تضع نفسها أمام نفسها، وتنتقد دوما تجربتها، وتُعيد النظر في برامجها، يقودها في هذا السبيل شعورها المهيمن أن المواطن صورة لها، وجزء منها، وخير دليل عليها، ومرآة ترى نفسها فيها. دول العالم الإسلامي، التي تكوّن رابطة عالمه، وتنتمي إليها، وتُشارك في برامجها؛ تُعنى بتربية أبنائها وتعليمهم، ويُنتظر منها أن تكون حرية الإنسان، ومنها حريته في التعبير وحقه فيه، جزءا من برنامجها التربوي والتعليمي معا، فالحرية من القضايا الرئيسة في علاقة المواطن بأخيه، وعلاقة مواطني كل دولة بمواطني غيرها، وهذا ما يجعل حرية الإنسان، والموقف منها يُعد إشكالية إسلامية وإنسانية، بعضا من رسالة وزارات التعليم في العالم الإسلامي، وهدفا من أهدافها، بل لعله ألصق الأهداف بها، وأحراها بعنايتها؛ لأن حرية التعبير هي الشرط الأول للعلم والمعرفة، وهي النافذة الكبرى للتقدم والتطور، ومَنْ يفتقدها، من مجتمع أو جماعة، لن يهتدي إلى ما يطمع إليه، ويُحدّث نفسه بالحصول عليه، فهذه الحرية ضرورة من ضرورات الحياة، لا تسير حياة الأفراد ولا حياة الدول دونها، إلا إذا ادّعينا أننا نملك الحق المطلق، والحقيقة الوحيدة، فنحن عند ذاك لا حاجة لنا في الحرية، ولا شيء عندها تُقدّمه لنا، وحديثنا عنها من فاضل القول، وجملة الاستطراد. حرية الإنسان، ومنها حريته في التعبير، قضية محورية، وبنية عميقة، تنتهي بها كثير من القضايا، وتؤول إليها، ونجد أنفسنا دوما مع مَنْ يختلف عنا نصطدم بها، ونعود إليها، ومن شواهد ذلك المؤتمر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، وكان عنوانه "الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة"، فما تعجّ به الساحة المسلمة قديما وحديثا، ويراه المسلمون من اختلافات كبيرة، تدفعهم إلى أمرين؛ محاورة هذه الاتجاهات ومناقشتها، والثاني طرح السؤال الأولي حول ما يجوز القول به وما لا يجوز، وهو الوجه الآخر لعملة حرية التعبير. وإذا كان مؤتمر الرابطة حول الاتجاهات الفكرية التي ظهرت في العالم الإسلامي، وما أكثرها! وكانت كلمة خادم الحرمين التي ألقاها عنه نائبه، ومما جاء فيها قوله: "حسنا فعل مجمعكم الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة قبل نحو ثماني سنوات، حيث أكد أن التعبير عن الرأي حق مصان في الإسلام، وفقا لضوابط الشريعة، ومن أهمها: أن تكون الغاية مرضاة الله تعالى، وخدمة مصالح المسلمين. ألا يتضمن الرأي أي تهجم على الدين أو شعائره أو شرائعه أو مقدساته... أن تكون وسيلة التعبير مشروعة، مع عدم الإساءة للغير، ومراعاة قاعدة التوازن بين المصالح والمفاسد"؛ فإني أنتهز هذه الفرصة؛ تعميما لهذه البادرة، ونقلا لها، فأدعو أن تشمل المسلمين في بلاد الأمم الأخرى، وتعم غيرهم من أهل تلك البلاد، فيكون الإنسان، ما كان، حرا في تعبيره عن دينه ومذهبه؛ شريطة أن يقتفي هذه الضوابط، ويسير عليها، ويجعلها الناظم له في علاقته بغيره من أهل الأديان، ولعل من الحسن أن أُذكّر بما يسند وجهتي هذه، وهما نصان، أحدهما عن الشهرستاني في "الملل والنحل"، والآخر عن عبد الرحمن بدوي. يقول الشهرستاني: "وشرطي على نفسي أن أُورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم، من غير تعصب لهم، ولا كسر عليهم، ودون أن أُبين صحيحه من فاسده، وأُعين حقه من باطله"، لا شتم ولا ذم ولا احتقار لأهل الأديان والمذاهب، وذاك دأب الإنسان الذي لا يُريد لدينه ومذهبه أن يُذم ويُسب (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). ويقول بدوي في خاتمة "من تأريخ الإلحاد في الإسلام": "ولا يسع المرء إلا أن يمتلئ إعجابا بهذا الجو الطليق، الذي هيّأه الإسلام للفكر في ذلك العصر؛ مما يدل على ما كان عليه العقل الإسلامي في ذلك العصر من خصب ونضوج"، وفي هاتين المقالتين قدوة عندي حسنة لوزارات التعليم في بلاد الإسلام، يعزّ على مثلي أن يراها ويسمع عنها.