من أفخم المصطلحات التي تعبر على عشاق العمل الإداري، مصطلح «بناء القيادات». هذا البناء عاش طويلاً في محور الفشل والخجل، لأن الواقع الذي يلمس في شكل جيد يؤكد أن البناء فعل مطاط ننظر به من دون أن نتساءل عمّا وراءه وهل ثمة نتائج مطمئنة يمكن ملاحقتها ميدانياً أم لا ؟ هناك من يبني نفسه بحماسة شديدة وكما ذكر الوزير علي النعيمي في كتابه من البادية إلى النفط، حيث تعرض لسؤال عن سر النجاح فقال: «إن النجاح نتاج توفيق الله، ثم الاجتهاد وبعض الحظ وكسب ثقة رؤسائي في العمل، ولو قدمت رأياً منقولاً من الميدان في الوقت الحالي لتحدثت بنسبة كبيرة في أن النجاح الذي نطلقه على عدد ليس يسيراً من أصحاب الكراسي أو المسؤولين القادمين بقوة إلى طاولات المسؤولية بغض النظر عن حجمها الصغير أو الكبير لقلت أن مشوار النجاح كان محاطاً بكثير من الحظ والعلاقات وما تيسر من الاجتهاد وكسب الثقة. وكي لا أعتبر ناسياً أو متجاهلاً فالسطر الرئيس هو «توفيق الله من قبل ومن بعد»، لكن لنمضي إلى تفكيك أسرار النجاح الوظيفي ولكم حق مخالفتي الاعتراض على هذا التفكيك ونسفه من الأساس». بناء القيادات يعرج منذ سنوات طويلة، والتلميح إلى العرج لأن فقراً يقرأ بجدية حين تدور بعض المناصب العليا بين جملة أسماء وعندما نعيش على مسلسل التكليف - التكتيف سنوات متلاحقة، ويقرأ أيضاً إذا ما عرفنا أن قطاعات الحكومة ذات الكوادر البشرية الهائلة والإعداد المتواصل والتدريب المتلاحق لا تتوافر في أحضانها قيادات يمكنها السير للمركبة للنجاح أو التحول أو التغيير، بل إن شعارنا النجدة... النجدة... النجدة أيها القطاع الخاص. نعود للتفكيك، فالحظ لا غبار عليه وقيل أعطني حظاً وارمني في البحر، تليه وفرة العلاقات والقدرة عل تلميع الذات والتسويق المتقن للإمكانات وإن كانت هشة لأننا عاطفيون حد الخجل أو بمعنى أدق نؤمن بمواقف اللحظات لا لحظات المواقف، أما اليسير من الاجتهاد فهو كافٍ للتصدر والقفز إذا ما كان على الكتف البمنى السيد - حظ وعلى الكتف الأخرى الاخطبوط المثير «علاقات» ، ولن أركل كسب الثقة، لكنه كسب في متناول اليدين ولا يبعد من فكرة التسويق إلا في المضمار الأخير من السباق نحو ضوء ومنصة. نعود إلى فلسفة بناء وصناعة القيادات التي أؤمن بها وتجذبني حين تستوطن الورق، لكنني أؤمن أكثر بأن القيادات في مربعات ليست للحصر قد تأتي من السماء أو هامش الورق وأحياناً من خارج منهج بناء القيادات الهش، وفي مساحة ضيقة جداً يمكن أن نشاهد البناء يفعل شيئاً مع ميلي الضيق لنسبة البناء الذاتي والعصامية والتحدي والإيمان بأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، هذه الخطوة التي أصبحت أهم من الطريق والميل وترفض المسافة والسور والحارس!