في دراسة متخصصة هي الأولى من نوعها موسومة بـ "صورة المؤسسة الدينية الجزائرية في مواقع التواصل الاجتماعي"، قدم الدكتور محمد بغداد ملامح هذه المؤسسة، من خلال تجلياتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وما ينتجه المتفاعلون الاجتماعيون، من مختلف الفئات، وما يتصوره هؤلاء تجاه هوية خطاب هذه المؤسسة. الدراسة التي صدرت عن مركز الدراسات والبحوث الإعلامية والاجتماعية، والتي اعتبرها الدكتور بغداد دراسة حالة، امتدت على خمسة فصول مع مقدمة وخاتمة، أين تناول مفاهيم المؤسسة الدينية وتجلياتها، عبر مختلف المراحل التاريخية، وعلاقتها بالتحولات الطارئة عليها في المخيال الاجتماعي، لمختلف الأجيال وأساليب التعاطي مع هذه المؤسسة، والنتائج التي برزت في هذه المراحل، خاصة في لحظات التوتر في العلاقة مع الاخر. وقد اعتمدت الدراسة، على منتوج صفحات وسائط التواصل الاجتماعي، لمختلف الفئات الاجتماعية، في عينات عشوائية لها محددات بسيطة، تتمثل في السن الذي تجاوز العشرين سنة، ويصل الى حدود السبعين سنة، وهو المنتوج الذي أخضعه الدكتور بغداد، إلى التحليل والتمحيص والقراءة بأدوات منهجية، وبروح علمية واضعا المفاهيم المستحدثة في الساحة المؤسس، الذي يتم العودة إليه من خلال رصد مؤشرات التحول الثقافي والاجتماعي القائم، في المجتمع الجزائري. وقدمت الدراسة، مادة مهمة جدا حول المنتوج المتنوع المبثوث في فضاءات وسائط التواصل الاجتماعي، الذي تنتجه مختلف الفئات الاجتماعية، وهو المنتوج الذي يشكل المحدد الأساسي، في رسم ملامح المؤسسة الدينية، التي تقدم هذه الفئات مواقفها منها في مختلف المحطات الزمنية، ومن مواقع جغرافية متباينة، وهي المواقف التي تتباين بين النقد والأمل والتوقع والتطلع، وغيرها من الاتجاهات والدوافع وهي المستويات التي تؤكد الهيمنة الكبرى التي تستحوذ عليها المؤسسة الدينية، على المجتمع الجزائري، الذي تزداد رغباته وانجذاباته نحو المؤسسة الدينية، وارتفاع سلوكات التعاطي معها، والخضوع لسلطانها. وإن اعتبر الدكتور بغداد، في دراسته أن منتوج الفئات الاجتماعية، في تعاطيها مع المؤسسة الدينية الجزائرية، يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل الجماعي، من أجل قراءته قراءة صحيحة، تكون أقرب إلى الواقع، إلا أنه أكد لا يجب الاستهانة به أو اعتباره مجرد ردود فعل عاطفية، خاضعة إلى موجة سريعة، تنتهي بمجرد انتهاء الأحداث التي تشكلها، وإن اشارت الدراسة إلى أن الاحداث التي تبرز على الساحة، تشكل العمود الفقري لهذا المنتوج، الذي يتميز بشدة الانفعال وحدة الطبع والعلو في الطرح، والميل نحو الشدة بالخضوع إلى الطبع الاجتماعي. لقد تنوعت مناهج التعاطي مع منتوج الفئات الاجتماعية، حول المؤسسة الدينية في وسائط التواصل الاجتماعي، بين الاحصائي والوصفي والتحليلي، من أجل الوصول إلى قراءة قريبة من الواقع، كما يقول بغداد ورصد صورة المؤسسة الدينية، التي يصنعها المجتمع اليوم، وهي الصورة التي تحدد موقع هذه المؤسسة في المجتمع، والدور الذي تقوم به والحاجات المنتظرة منها، وفق التطلعات التي يرسمها المجتمع لهذه المؤسسة في مخياله. لقد شكلت قضايا الطائفية والمذهبية والتعليم، وطريقة ممارسة الشعائر الدينية، المادة الخام للنقاش الاجتماعي، حول المؤسسة الدينية وهو النقاش الذي عرف مشاركة واسعة لأغلب الفئات الاجتماعية، وهي المشاركة التي كانت غير مكلفة لسهولتها، وتوفر تدفق الانترنت، وغياب المعوقات التقليدية، وقد شكل عبور هذا النقاش إلى وسائط التواصل الاجتماعي، مشكلة كبيرة للمؤسسة الدينية، كونها أفرزت العديد من المشكلات والمنغصات، التي أثرت على سمعتها، ولكنها منحت الكثير من الفئات الاجتماعية، الانخراط في التعاطي مع قضايا المؤسسة الدينية. إن المأزق الذي تورطت فيه المؤسسة الدينية، عندما وجدت نفسها موضوع نقاش متعدد في مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، شكل مدخلا مهمة في دراسة الدكتور بغداد، كونها سمحت بدراسة صورة هذه المؤسسة، في مخيال الأجيال الجديدة، وهي الصورة التي ليست بالضرورة، تلك الصورة المتوارثة عن الاجيال القديمة، وقد تمكنت وسائط التواصل الاجتماعي، من القيام بالتحوير المناسب والمتعدد المستويات، والتي تستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة. إن دراسة صورة المؤسسة الدينية الجزائرية، في مواقع التواصل الاجتماعي، تأتي في سياق مشروع، شرع فيه الدكتور محمد بغداد، لدراسة تحولات الظاهرة الاجتماعية الجزائرية، وعلاقتها بالإعلام الجديد، وبالذات وسائط التواصل الاجتماعي، أين قدم أزمة المدرسة الجزائرية، في مواقع التواصل الاجتماعي، ودراسة عن تفاعل الصحفيين الجزائريين، في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي الدراسات التي بإمكانها أن تفتح المجال أمام الدراسات الإعلامية القادمة، التي تتناول التحولات الكبرى، التي يعرفها المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة.