صلحاء الحربي أحياناً نكون متطرفين، ونبالغ في حماية أنفسنا، يؤذينا الانتقاد ويرعبنا الاختلاف، نكبل أرواحنا بقيود غامضة تمنعنا من الاستماع للآخرين. لماذا؟ هل لأننا نملك فكراً لا نثق به؛ نخاف أن ينهار من أول نقاش، أم لأننا نعتقد أننا بلغنا من الكمال الحد الذي رفعنا عن مستوى حوار الآخرين في أفكارنا، فعقدنا العزم على أن نجعل كل فكر تابعاً لنا أو عدواً. يبقى الإصغاء مهد العقول الراقية، وعرشاً للفكر المميز، فاسترخِ قليلاً، وافسح لي المجال لأصل إلى عقلك وأرحل منه دون ضغائن. في كل جمجمة قد تناقشها، كنز اختفى خلف كلمة أو عبارة، قد تغير ذلك الطريق الذي جديت بالسعي فيه، لظن أنك كنت على حق. قد تدفعك همسة في الطريق الذي تسير فيه، وتشعل قناديل العزم في أعماقك لتبلغ النهاية، وتحقق رغبتك في التغيير. مساكين هم البشر الذين اعتادوا على سماع صوت العقل الذي يشابه عقلهم فقط، فقد حرموا من تلك الجلبة التي تحدثها تنوع الأدمغة، التي لطالما صنفت أنها مفاتيح الأفكار. فاختلاف العقول، جميل بجمال الطبيعة فغصن يابس، وزهرة ذابلة، وثمرة متعفنة، لن تخدش من جمال الطبيعة شيئاً. غصن نشعل به ناراً، وزهرة تصبح سماداً، وثمرة يأكلها حيوان، كلٌّ له فائدة ترجى في نهاية المطاف. قد اختلفت أشكالها ولكن لم تذهب فائدتها، هكذا هي العقول إذا تقبلناها، وأنصتْنَا إلى همساتها مهما بلغت بساطتها، أو مستوى الجهل الذي تخيلنا أنه يسكنها. فقط علينا قبول الآخر كما هو، فنحن مميزون إلى حد أن كل منا نسخة لا تتكرر. فأنت لن تكون مثلي يوماً ولا أنا أيضاً، وإن رغبنا في ذلك، فجميعنا مميزون بما تحتويه عقولنا. كثير منا رفض الواقع، وقام بتهجير عقله، وحشوه بما عرض عليه، فأراد أن يكون كشخص التقى به أو ككتاب قرأه، أو أي شيء آخر غير هو، فلا هو كان ولا هو بقي كما كان. فإن كنت تملك فكراً وترغب في مشاركته، فما عليك إلا أن تُشيد به صرحا وتأخذنا إليه.