دمشق - توسع الفصائل المسلحة في سوريا من دائرة هجماتها مؤخرا على أكثر من جبهة، فبالتزامن مع المعارك الطاحنة التي جرت الثلاثاء قرب دمشق بعد هجوم جديد للفصائل المقاتلة على مواقع القوات السورية، أعلنت هيئة تحرير الشام، التي تضم جماعات إسلامية متشددة في سوريا، إنها بدأت هجوما جديدا قرب مدينة حماة في الجزء الأوسط من غرب سوريا. وهي خطوة من شأنها إرباك القوات السورية وتشتيتها ولكن هذا الظهور المفاجئ لهذه الأعداد من المقاتلين أثارت التساؤلات حول غيابهم في معركة حلب. ودارت معارك طاحنة الثلاثاء على بعد 10 كيلو مترات من وسط دمشق بعد هجوم جديد للفصائل الجهادية والمقاتلة على مواقع القوات الحكومية السورية، قبل يومين من جولة جديدة من المفاوضات في جنيف في رعاية الأمم المتحدة سعياً إلى حل للنزاع. وكانت المعركة قد انطلقت بين الجانبين بعد أن شنت فصائل مقاتلة إلى جانب "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) فجر الثلاثاء هجومها انطلاقاً من حي القابون في شمال شرق العاصمة حيث تدور معارك على مسافة نحو عشرة كيلومترات من وسط دمشق التي كانت بمنأى نسبياً عن ويلات الحرب. وذكرت تقارير إعلامية أن قوات المعارضة سيطرت على "كراج العباسيين" في دمشق، واستعادت السيطرة على معظم النقاط التي خسرتها في حي"جوبر" شرق العاصمة. كما أعلنت هيئة تحرير الشام، التي تضم جماعات إسلامية متشددة في سوريا، الثلاثاء إنها بدأت هجوما جديدا قرب مدينة حماة في الجزء الأوسط من غرب سوريا، في تحرك جديد لهذه القوات بهدف تشتيت قوات النظام عبر فتح جبهات حرب مختلفة. ويقول بعض المتابعين أن التحرك الأخير للفصائل المقاتلة هي في الأساس عملية جديدة تهدف لاختراق دمشق التي بقيت ورغم تنفيذ الهجمات الانتحارية داخلها بين الحين والآخر، بعيدة عن مسرح الأحداث والمدينة التي تخص حصرا النظام السوري كما لو أنها القلعة الحصينة التي تعطي الشرعية لاستمراره. وقد أعلن "فيلق الرحمن" الفصيل الإسلامي المشارك في الهجوم، في بيان إنها "المرحلة الثانية من المعركة"، ما ينذر بتحول دائرة المواجهة هذه المرة نحو العاصمة بعد خسارة حلب. وتعي الفصائل المعارضة في سوريا الأهمية السياسية والعسكرية للعاصمة لا سيما في هذه المرحلة، ولهذا يرجح أنها ستشن معركة كبيرة للرد على هزيمتها في حلب المدينة الإستراتيجية في البلاد بعد العاصمة. ولكن المراقبين يشددون على أن الأسد وحلفائه سيبدون مقاومة اكبر من التي أبداها في معاركه السابقة، لأن سقوط أو انخراط دمشق بمستوى أوسع في الحرب في هذه المرحلة لن يستسيغها الرئيس السوري لأنها قد تعني بداية نهايته، نظرا لإجماع أغلب المراقبين على أن فقدان النظام السوري للسيطرة على دمشق هو الإنذار الأكبر على هزيمته الحقيقية. كما أن بشار الأسد الذي عزز موقعه المهيمن في معظم أنحاء البلاد، خاصة بعد استعادة السيطرة على حلب، في ديسمبر/كانون الأول، يحاول منذ ذلك الحين كسر المقاومة التي تبديها المعارضة على أطراف دمشق لاستعادة السيطرة الكاملة على العاصمة بعد ست سنوات من الحرب. ولكن يبدو أن الفصائل المقاتلة في سوريا قد فاجأت القوات السورية وحلفائها في الهجوم الأخير بما أبدته من مقاومة شرسة رغم تتالي سقوط الصواريخ الموجهة من قوات النظام على مناطق سيطرتهم. كما أنه وبعد معركة حلب أصبح سائدا الاعتقاد بأن فصائل المسلحة خرجت ضعيفة تحمل وزر هزيمة كبيرة في أحد ابرز واهم المعاقل، لكن ما حدث كشف عن جهوزيتها الكبيرة في المواجهة الأخيرة على مقربة من وسط دمشق، بل وعلى جبهات متزامنة. وطرح هذا الاستعداد الذي بدت عليه هذه القوات السؤال حول عدم فاعليتها في معركة حلب، وهناك من رجح أن هذه القوات التي ينتمي أغلبها إلى التيارات الإسلامية المتشددة تملصت من المعركة في حلب بسبب خلافاتها مع عناصر الجيش الحر الذي تراجعت قوته كثيرا وهي اليوم تحاول الاستفادة من الفراغ الذي تركه مكرها لصالحها. كما هناك من رجح فرضية أنها انسحبت من حلب بناء على توجيهات أطراف سياسية بعينها تعرف بدعمها العسكري والمالي لها بعد أن تمت اتفاقات سرية لم يكشف عنها للعلن بعد. وتتواجد الفصائل المقاتلة والجهاديون حلفاؤها في خمسة أحياء بدمشق. ففي شمال شرقها يسيطرون على غالبية حيي القابون وتشرين، وفي الشرق يتقاسمون السيطرة مع قوات النظام على حي جوبر. وتتواجد الفصائل المقاتلة في حي برزة شمالا وحي التضامن جنوبا لكن هذين الحيين تسودهما هدنة مع قوات النظام. وأعلنت جبهة فتح الشام في شريط فيديو سيطرتها على معمل للنسيج وبثت صورا تظهر مقاتليها يدوسون صورا للأسد ويكسرون الزجاج على صور لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد. وصعدت قوات الحكومة عملياتها ضد الغوطة في الأسابيع القليلة الماضية وتسعى إلى إحكام حصار على المنطقة بينما يهدف هجوم المعارضة جزئيا إلى تخفيف هذا الضغط. ويتركز القتال حول منطقة العباسيين في حي جوبر بشمال شرق دمشق والذي يقع على بعد نحو كيلومترين شرقي أسوار البلدة القديمة على تقاطع طرق رئيسي يؤدي للعاصمة. أوقعت معارك الأحد والاثنين 72 قتيلا، 38 في جانب القوات الحكومية وحلفائها و34 في جانب الفصائل المسلحة وفق المرصد السوري. وتجددت المعارك قبل جولة جديدة من المفاوضات بين ممثلين عن النظام السوري والمعارضة من المقرر أن تبدأ الخميس في جنيف برعاية الأمم المتحدة. وتعتبر روسيا حليفة النظام السوري، وتركيا الداعمة لفصائل مقاتلة، عرابتي وقف إطلاق النار في سوريا الذي تم خرقه منذ دخوله حيز التنفيذ في كانون الأول/ديسمبر.