المغرب هو ضيف شرف للدورة الحالية من معرض الكتاب الدولي في باريس. وبهذه المناسبة، ينظم معهد العالم العربي معرضاً استثنائي المحتوى، يكشف عن تحف ومخطوطات ومدونات وكتب نادرة تتناول مواضيع في غاية التنوع، من الأديان إلى الزراعة، ومن الفلك إلى البيطرة، مروراً بشتى العلوم والآداب. وتتراوح أزمنة المخطوطات المعروضة، فهي قد نُسخت بين القرنين الميلاديين التاسع والعشرين. تعكس الكتابة، شكلاً ومضموناً، درجة رقي أمة ما ورفعتها ومقامها بين الأمم. ذلك ما أكده ابن خلدون نفسه قبل سبعة قرون. ومعرض المخطوطات المغربية، الذي يُفتتح اليوم ويستمر حتى السادس من الشهر المقبل، مرآة فريدة لمسيرة الحضارة في المغرب، روحياً وسياسياً وعلمياً وأدبياً. كما تقدم المعروضات ملخصاً ممتعاً لمسار الثقافة في دولة عربية كانت تُسمى بلاد مراكش، منذ صدر الإسلام إلى القرن المنصرم، واغتنائها بتأثيرات تيارات عدة، عربية وإسلامية وأندلسية وأمازيغية وأفريقية ومتوسطية. وتعود أقدم المخطوطات إلى القرن الهجري الأول، بينما تمّ نسخ أحدثها قبل قرن من الزمان وحسب. وإضافة إلى الامتداد الزمني، تتطرق المعروضات إلى مواضيع في غاية التعددية، فضلاً عن جانبها الجمالي متمثلاً في بهاء فن الخط العربي وروعة المنمنمات والإيضاحات المدرجة في المخطوطات. القيمون على الحدث، الذي يقام برعاية العاهل المغربي محمد السادس وإشراف مديرية الأرشيفات الملكية، حرصوا على إبراز ثلاثة مستنسخات أساسية تلقي الضوء على التعددية الدينية في المغرب، وتعكس روح التسامح وتقبل الآخر اللتين تميزت بهما المملكة العلوية منذ القدم. والمخطوطات الـ3 هي: نسخة نادرة وثمينة من القرآن الكريم مكتوبة على ورق الرق ما يسمى «برشمان»، تعود للقرن الهجري الثالث. والتحفة الثانية عبارة عن إنجيل مترجم إلى العربية، يعود للقرن الثاني عشر الميلادي، تمّ حفظه في جامعة القرويين ويعدّ من أجمل المخطوطات المسيحية في العالم الإسلامي. وأخيراً، هناك نسخة من التوراة العبرانية مثبتة على أسطوانتين دوّارتين، ما يدعى «الصيفير»، تتيحان تقليب الصفحات بيسر. ولم تعرض تلك النسخة للجمهور قط من قبل، وهي محفوظة في صندوق من الجلد الأحمر الفاخر. وإذ يدور الحدث، من الناحية الرمزية، حول تلك القطع النادرة الثلاث، فهو يقدم، أيضاً، مخطوطات دينية ودنيوية أخرى كثيرة. من بينها ما كتب عن المذاهب المالكية والأشعرية والصوفية، مثل ما خطه عن المالكية المهدي محمد ابن تومرت، صاحب كتاب «أعز ما يطلب» (يتناول المالكية)، وما كتبه عن الصوفية محمد بن سليمان الجزولي في كتابه «دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار». كما أن هناك من المخطوطات ما يشير إلى البعد الأفريقي للثقافة المغربية، كمثال على ذلك كتاب «نيل الابتهاج في تطريز الديباج» لأحمد بابا التمبكتي السوداني. وتدل مخطوطة بالعبرية لابن ميمون على التجاء اليهود العبرانيين إلى المغرب بعد هروبهم من الأندلس. يضم المعرض أيضاً مخطوطات عن الطب والصيدلة، منها الجزء السادس من كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي. وللرياضيات محلها أيضاً، متمثلة في مخطوطات لأبي العباس أحمد بن عثمان الأزدي المراكشي. وعن الفلك: «شرح روضة الأزهار وعلم وقت الليل والنهار للجادري». وفي الفيزياء والكيمياء، هناك مخطوطة «نهاية الطلب في شرح المكتسب في زراعة الذهب» لعز الدين أيدمر بن علي الجلدكي. وعن علم النبات: «حديقة الأزهار في شرح ماهية العشب والعقار» لقاسم بن محمد الوزير الغصني، المتوفى عام 1600. حتى الزراعة يراها الزائر ممثلة في المعرض بمخطوطات مثل «كتاب في الفِلاحة» لمحمد بن إبراهيم الطليطلي، المتوفى عام 1067. وكذلك الري وإدارة الماء في كتاب «حديث بياض ورياض». وفي باب بيطرة الجياد، تعرض مخطوطة «جرُّ الذيل في معرفة الخيل» لجلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي. وطبعاً، لا يمكن تعداد المعروضات كلها، إنما قد لا يغتفر إغفال ذكر مخطوطة «كتاب العِبَر» لابن خلدون.