انظر حولك فيمن تعرف من المتقاعدين المهنيين المحترفين من أصحاب الخبرة والمعرفة والدراية والتجربة، ممن قضوا عقودا من أعمارهم يراكمون الخبرة والمعرفة والمهارة.. ثم أجب عن السؤال البسيط: كم منهم يعمل؟ وكم منهم يعمل في مجاله؟ نحن بلد بحاجة للموارد المؤهلة، وأصدقكم القول: إن هذه الخواطر تسرح وتمرح في ذهني كلما صادفت خبراء واستشاريين أجانب قادمين للعمل هنا قد تجاوزت أعمارهم الستين بسنوات، في حين أن من في أعمارهم من المواطنين عليهم أن يقبعوا في بيوتهم، وفي هذا السياق، فلدينا صندوقا التقاعد (الحكومي والتأمينات) يقفان بالمرصاد لمن يعمل من المتقاعدين، بمعنى أن التأمينات الاجتماعية لو اكتشفت أن أحد مشتركيها تقاعد ثم التحق بعمل لدى جهة لقاء راتب فهذا أمر جلل، وسيخضع هو وصاحب العمل لمساءلة قد تطول، ومهما يكن من أمر فسيطلب من المتقاعد الذي قرر أن يعمل.. سيطلب منه أن يعيد رواتب وأن يدفع غرامات. لعل هذا التشدد من أهم عوامل ردع وزجر المتقاعدين. في حين أن صندوقي التقاعد الحكومي والتأمينات يتوقع منهما أن يبذلا جهدا إبداعيا ليستفيد المجتمع من المتقاعدين سواء أكان تقاعدا مبكرا أم عند بلوغ سن المشترك السن النظامي. وكأني ألحظ أحدا في تلك الصناديق يعدد ما قاموا به من خدمات للمتقاعدين، ولن أجادل فالحديث هنا محدد في مدى الاستفادة وظيفيا وانتاجيا من المتقاعدين في المجتمع ككل، بحيث نستفيد ممن لديه الرغبة والمقدرة، وهذا أمر سنجده ينطبق على قطاعات في أمس الحاجة لمواطنين قادرين في التعليم والصحة والهندسة والخدمات على تنوعها. أدرك أن هناك من أمضى عمره ولم يكتسب الكثير، لكنه بالتأكيد مر بتجربة حياتية يمكنه من خلالها إفادة المجتمع بطريقة أو بأخرى. ولعل الأمر بحاجة إلى مبادرات تُجمع في برنامج للاستفادة من المتقاعدين، والمبادرات هذه قد تتطلب تنسيقا من جوانب عدة، إذ إن الأمر لا يرتبط فقط بصناديق التقاعد بل كذلك بالجهات التي بإمكانها الاستفادة من المتقاعدين في الحكومة أو القطاع الخاص أو القطاع التطوعي الذي تهدف «الرؤية السعودية 2030»، لرفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من أقل من 1 بالمائة إلى 5 بالمائة. وليس عسيرا على منظومة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بما في ذلك صناديق التقاعد أن تعد برامج فيها «إبداع» للاستفادة من المتقاعدين، لاسيما من السلك العسكري، فبعضهم يتقاعد ولا يزال في أوج العطاء. وعلينا تذكر أن شريحة واسعة من المتقاعدين لا ترغب في العمل، لكن بعضهم قادر وراغب. بمعنى أن هؤلاء لا بد أن تُيسر لهم صناديق التقاعد فرصا لتحقيق ذواتهم، والقطاع غير الربحي تحديدا، بحاجة ماسة لخبرتهم. حاليا، الصناديق متقوقعة في صناديق، وكأن كل دورها يقتصر وينحصر ويتحقق ويكتمل في لم الفلوس من المشترك عندما يكون على رأس العمل، وإعطائه راتبا عندما يتقاعد! فهذا التقوقع لم يعد كافيا في ظل الحراك الذي تعايشه البلاد، إذ لا يستوجب مؤسسات وهياكل وتشكيلات إدارية، فبوسع الدولة - يرعاها الله - أن تتعاقد مع مؤسسات مالية تجارية (كالبنوك مثلا) لتقوم بدور «لم» الاشتراكات، و«صرف» الرواتب التقاعدية، والتعاقد مع مكاتب متخصصة لعمل دراسات «إكتوارية» دوريا! أما إن كان دور الصناديق أوسع من ذلك، فعليها أن تمارسه.