وصلت الثورة المضادة في مصر إلى مرحلة متقدِّمة في طريق الإطاحة نهائيًّا بثورة 25 يناير الشعبية، وقد ظهر للجميع الآن أن الطبقة الحاكمة في مصر لأكثر من ثلاثين عامًا قد انحنت أمام العاصفة في ذلك اليوم، واختارت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في ثورة 25 يناير، كثمن لعودتها إلى السلطة بعد عام من ثورة الشعب، وقد أثبتت بالفعل قدراتها التنظيميَّة في الانتخابات المصريَّة الرئاسيَّة بعد أن خسر مرشحها بنسبة ضئيلة أمام مرشح الإخوان، لكنَّها قبلت بدبلوماسية النتيجة النهائية، ثمَّ عملت بدهاء سياسي للعودة مرة أخرى للسلطة بعد الثلاثين من يونيو من عام 2013م. تتحمَّل جماعة الإخوان المسلمين ما حدث لأسباب عديدة منها، منها إقصاؤهم الشَّديد للحركات السياسيَّة التي شاركت في الثورة من المشاركة في الحكم، واعتماد الرئيس مرسي على حرس النظام القديم لإقامة دولة شمولية أخرى، وذلك عندما سلَّم الوزارات السيادية إلى رموز من نظام مبارك في ظلِّ رئيس وزارة غير متمكن، ليستغلوا ثقته الغريبة، ويعملوا من داخل شرعيَّة الثورة لتقويضها، ويحوِّلوا البلاد إلى جحيم، ويزيدوا من درجة معاناة الإنسان المصري بعد أن تَمَّ تقويض الخدمات العامَّة وإشاعة الفوضى، واستغلال ضيق أفق العقل السياسي عند الإخوان، وإظهاره في موقف لا يحسد عليه. يصاحب ذلك تأسيس جبهة للإنقاذ الوطني مكوَّنة من رموز من النظام القديم وبعض من الشخصيات الثورية التي تَمَّ إقصاؤها من قبل نظام الإخوان، لترفع من درجات تحدّيها السياسي للنظام الإخواني في ظلِّ تدهور شديد في الخدمات، وهو ما أدي في نهاية الأمر إلى وصول الإنسان المصري إلى قناعة أن الإخوان دمَرُّوا البلاد، وأنَّهم لا يستحقُّون أن ينالوا شرف قيادتها، وكانت ثورة 30 يونيو المضادة، وإعلان الانقلاب على الرئيس المنتخب، ثمَّ سجنه بتهمة التخابر مع حماس واقتحام السجون، وهي وقائع تعود إلى عهد نظام الرئيس حسني مبارك، وهو ما يعني إعادة مصطلحات وإجراءات النظام القديم إلى التداول مرَّة أخرى في الشارع، مع منع الإعلام المعارض من انتقاد هذه الإجراءات على شاشاتها. مصر الآن في طريقها للمجهول، وقد تنجح الثورة المضادة في تحقيق أهدافها، وتعود البلاد مرة أخرى إلى سلطة العسكر من خلال انتخابات عامة، أو قد تزداد حالة الاحتقان بين الجيش والتيَّارات الإسلاميَّة، وتفقد مصر أبناءها وخيراتها في حرب أهلية، تهلك الأخضر واليابس، لكن التجربة المصريَّة أثبتت أن التيَّارات الإسلامية في ثوبها الحالي لا تصلح للحكم، لأنّها تفكر خارج العلاقة المدنية في الدولة، ومثال ذلك أنَّها تجعل من الإخواني غير المصري أقرب لها من القبطي المصري، أيّ أنّها تجعل المواطنة بمقدار القرب والبعد من أفكارها واجتهاداتها الدينية، وهو ما يجعلها غير صالحة لقيادة دولة مدنية في العصر الحاضر. لذلك على تيَّارات الإسلام السياسي مراجعة برامجها وشعاراتها، والخروج من إطارها الطائفي، وغير المنسجم مع مبادئ الدَّوْلة المدنية، والتخلي عن ثقافة الجماعة الدينية، والانخراط في المجتمع المدني، مثلما حدث في التجربة التركية، والمشاركة في مختلف الفعاليات المدنية، وأن تجعل من الوطن انتماءها الأول، من دون شعارات أو تفرقة على أساس ديني، وأن تكون الكفاءة المقياس، وليس العلاقة الطائفية، ولو أرادت جماعة الإخوان إعادة بناء الثِّقة مع الشعب المصري، فيجب أن تبدأ بإلغاء جماعة الإخوان المسلمين ومنصب المرشد العام، وأن تعمل في السياسة مع الجميع من خلال المفاهيم المدنية، بدلاً من مرجعيتها الأممية، وقد تستطيع من خلال ثوبها الجديد أن تقود مصر باقتدار إلى المستقبل المنتظر. في نهاية الأمر عادت عقارب مصر إلى الوراء، وبالتحديد إلى ما قبل 25 يناير، بعد تطبيق بإحكام لسيناريو الثورة المضادة تحت مظلة حكم الإخوان، لكن الخسارة الأكبر في هذه العودة، تخلّي معظم شعب مصر عن ثورته الشَّعبية بسبب النتائج المريرة بسبب الصراع حول السلطة بين النخب، التي فتحت الباب لِمَنْ يملك الخبرة السياسيَّة والاستخباراتية في العودة إلى مواقعه سالمًا إلى حين!