كأي سلعة يشتد الطلب عليها هذه الأيام فيما يتعلق بالصحة والدواء نجد أن إخواننا الصيادلة خصوصا من العرب يتنمّر على العامة من السعوديين، فيقول لهم إن الدواء منقطع أو أن قطعة الغيار لجهاز فحص لا بد أن تُطلب (من جدة!) أو (دبي)! بينما لو خفض الزبون نظره قليلا في الصندوق الزجاجي لوجد السلعة وبعلامات تجارية مختلفة. ولا أعرف لماذا يتنمر بعض إخواننا من غير السعوديين إذا رأى الحاجة في وجه طالبها. "يوم جمعة جامعة، وملايكة سامعة" ويُتبع طالب الخدمة بدعوات للصيدلي بأن "يخلّي له عياله" والصيدلي يبتسم ويُلمّح بعبارات اعتذار بأن قطعة الغيار أو "الشريط" غير متوفر. لاحظتُ من المواطن طلب نجدة مني بنظرة عابرة، وأنا أنتظر دوري، فطلبت من الصيدلي أن يُرشده (يُرشد صاحب الحاجة) – عل الأقل – إلى من يبيع تلك الأشرطة موضوع المشكلة.. بدلا من الابتسام فقط، وحين رأى الصيدلي إصراري وإصرار الزبون على مواجة مدير الصيدلية، ابتسم مرة أخرى وسحب علبة من زجاج العرض وخرج منها بالمطلوب، الذي كان الزبون يسترحمهُ كي يحصل عليه ويستجديه.. ويدعو له. رأيت العلبة وهي تحوي أكثر من عشر قطع غيار. وحتى الآن لا أعرف امتناع الصيدلي عن بيع البضاعة رغم توسّل طالبها، ورغم كونه باع الجهاز للمواطن سابقا. (وقلت في نفسي: ماكانش من الأوّل!). لا أعتقد إن شاء الله أن الصيدلي يستمتع بإذلال المراجع، حاشا، فالابتسامة واللطف نصف الشفاء. وأنه يستغل حاجة الشخص الواقف أمامه لطلب خدمة أخرى مقابل. ولأنه صيدلي فحتما مرّ عليه قسم الولاء للصدق والمهنة، كالطبيب تماما. مرّت الصيدلة وتجارة الأدوية في بلدنا منذ عهد مخازن الأدوية بدورات تجارب وأنظمة متضاربة ومتباعدة الحقب. وهي (أي المهنة) لم تحظ حتى الآن بالتقدير والمتابعة المطلوبين. ففي فترات سابقة صدرت تعليمات أو هي أنظمة ولوائح تمنع البائع من صرف أي دواء للاستعمال عن طريق الفم إلا بوصفة طبية. وسارت الأمور لفترة سنة أو أكثر خصوصا فيما يتعلق بالمضادات الحيوية وأدوية الأطفال، ثم انفرط العقد وصرنا نرى السائق يحضر إلى الصيدلية ومعهُ (عينة) أو (نمونه) المغلّف، ويركض البائع لخدمة الزبون دون تبصّر أو قراءة المحاذير الطبية. أذكر صيدلية في منطقة الملز في نهاية القرن الهجري الماضي كان يعمل فيها صبيّا يمنيا، ويقوم بكل احترافية بإرشاد عملاء الصيدلية على نسب الدواء وتكوينة الأحماض والكورتيزون، وطريقة الاستقلاب الداخلي والأعراض الجانبية وبروتين البلازما وأشياء أخرى اكتسبها بالمراس. ولا أستبعد أنه الآن يشغل وظيفة كبيرة في شركة من شركات تصنيع واستيراد الأدوية. والخبرة بمناقصاتها وتوريدها للمصحات. وأذكر أن الجمهور (من ربعنا) ينتظر دوره للتحدث إليه قبل مغادرة الصيدلية حاملا الأدوية.