إضراب المؤجرين في سوق اللحم القديم في المباركية.. والسبب كما يعلم الجميع ارتفاع قيمة الإيجار إلى %500. الزيادة كبيرة للغاية، والأنشطة بسيطة كذلك للغاية، والسوق هذه هي ما تبقت لنا من الأسواق القديمة لتأريخ بلدنا القديم، ومع هذا نجدهم يتفننون في مضايقة البسطاء في رزقهم. لمصلحة من هذه السياسات الطارئة وغير المدروسة في رفع قيمة الإيجار؟ يرجع بنا التأريخ لزمن مضى، وتحديدا في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي وبداية الأربعينات، عندما اشترى التاجر الوجيه المرحوم سليمان اللهيب عقارا في السوق بالقرب من سوق المباركية، وظن جميع المستثمرين أن التاجر الجديد النجدي الأصل سيرفع عليهم قيمة الإيجار. فبدأ التذمر من بعضهم حتى ارتفع ذلك التذمر وبلغ صاحب العقار سليمان اللهيب. وكانت قيمة الإيجارات القديمة متدنية ويحق له رفعها، ولكنه ذهب في الصباح إلى عقاره الجديد الذي به مجموعة كثيرة من الدكاكين، وابتدأ مع أكبر مؤجر عنده في العقار وله أكثر من دكان، فقال له: ما أخبار السوق معكم؟ فاشتكى المؤجر من قلة البيع والشغل في السوق، والحال واقف بسبب تأثير الحرب العالمية الثانية في السوق بشكل عام، فقال له صاحب العقار سليمان اللهيب، والمؤجر لا يعرفه: وهل الإيجار الحالي مرتفع عليكم؟ فقال المؤجر: دكاكيننا اشتراها الآن تاجر نجدي، ونخشى أن يرفع علينا قيمة الإيجار فتعم علينا الخسارة جميعا. فقال له التاجر: وما الحل برأيك؟ فقال المؤجر: ليته يراعينا ولا يزيد علينا الإيجار فقط. فما كان من التاجر سليمان اللهيب إلا أن خفض الإيجارات على الجميع، وعمت الفرحة جميع المؤجرين، وزاد نشاطهم في العمل ومحبة ودعاءً لسليمان اللهيب. وله قصة أخرى تظهر لنا مدى فهم رجال الكويت قديما لعملهم ومراعاتهم بعضهم لبعض، أن مؤجرا باع دكانه بخلو عشرين ألف روبية، فجاء البائع وهو يقول للتاجر سليمان اللهيب: أنا بعت بهذا الخلو، فهل تريد منه شيئاً؟ فرد عليه وهو يلعب دامة مع صديقه في الدكان: لا، ثم قال له المؤجر الجديد: والإيجار هل سيبقى على ما هو عليه؟ فقال سليمان اللهيب: نعم كما كان عليه في السابق، والله يبارك لك في تجارتك. هكذا كانوا في أخلاق تعاملهم مع المؤجرين، فنجحوا وتركوا لنا بصمات أعمالهم تروى لنا جيلا بعد جيل. رحمك الله يا أبا محمد سليمان اللهيب برحمته الواسعة.. آمين. مشاري حمود العميري