ابن الديرةلأننا دولة مستقبل كما هو مطروح في أدبياتنا السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية، وحتى نحقق ذلك بقدر الطموح المعلن، فلا بد من تأمل تجربتنا الماضية والإفادة منها ما أمكن، والمقارنة مع تجارب وخبرات غيرنا، خصوصاً تجارب الدول المتقدمة التي حازت قصب السبق في الإعداد للمستقبل. أول أبجدية الوعي بالمستقبل، احترام الوقت، وتوزيع الشغل على الزمان توزيع العارف الجاد، ولا عمل للمستقبل من دون وضع خطط استراتيجيات بمواعيد وأسقف زمنية محددة، فيعرف المشروع المستقبلي منذ كان فكرة أو «مشروع ثم مشروع»، ويدرس جيداً من حيث الجدوى ومدى تحقيق المصلحة العامة قبل بدء أي خطوة.بعد ذلك تأتي مسألة المتابعة، فهي في صميم الاشتغال على الإعداد للمستقبل، وتعني المتابعة مراقبة المشروع أو الخطة منذ انطلاقها يوماً بيوم، وصولاً إلى تكوين رأي علمي وموثوق عن مراحل سير المشروع أولاً بأول، ومدى تلبية ما يتحقق على الأرض مع الرؤية والنظر والخطة. مهم جداً التركيز على هذه النقطة حتى لا تتكرر خبرات سابقة يعرفها مجتمع الإمارات، وربما بشيء غير قليل من المرارة، ومن ذلك مشاريع تطوير التعليم السابقة التي استغرقت السنوات الطويلة، وبذلت فيها الجهود، وأنفقت عليها الأموال، وملأت الدنيا وشغلت الناس في مراحل متفرقة من عمر الدولة، وبعد ذلك اختفت أو «تبخرت» بين ليلة وضحاها. لو أن المتابعة صحيحة وحقيقية لتحقق الانتباه، وبالتالي التنبيه، منذ فجر تنفيذ الخطة.نقطة مهمة أيضاً في السياق نفسه، حيث لا بد من تحقيق التوازن المطلوب في أثناء تنفيذ خطط الإعداد للمستقبل، بين من يتبنى خيار الاستعجال من جهة، والآخر الذي يرى خيار الصبر الطويل الذي قد يتاخم، عند البعض، الغفلة والنسيان. البعض يريد تحقيق كل شيء في المدى المتوسط أو حتى المنظور، والبعض، في المقابل، ينتصر، بقصد أو من دون قصد، لفكرة التأجيل والتطويل والتسويف من دون مبرر معقول، وكل من الرأيين بالتأكيد، مردود عليه كونه مشوباً بالبطلان. الأجدر التوازن بين من يريد سلق الأمور سلقاً ومن يريد وضعها على نار دهرية تنبئ بالحريق، وليس إلا النضوج الكافي من خيار.وفِي مراحل متفرقة أيضا رأينا خططاً تضيع وتتلاشى لأن أهلها انتصروا لفكرة السلق السريع، ورأينا خططاً تنتهي فجأة بعد الأعوام الطويلة بل العقود لأن أهلنا اتخذوا عادة النسيان هواية مفضلة، ونريد في اشتغالنا الجديد على المستقبل أن ندخل في مستقبلنا خطوة خطوة ويوماً بعد يوم، وأن نعرف موضع أقدامنا بالضبط، كل زمن، ونحن نتقدم إلى المستقبل.المستقبل لا يأتي دفعة واحدة. المستقبل لا يأتي فجأة أو على حين غرة، وإذا كانت لدينا اليوم وزارة مخصصة للمستقبل، فهذه فرصة ممتازة للتعامل مع الإعداد للمستقبل بلغة جديدة هي لغة المستقبل نفسه.هذه اللغة لها جذورها القوية في إرثنا الديني والحضاري، فهل هي إلا فكرة الاستدامة تكرس منذ المطالع الأولى والنوافذ الأولى، حين يؤمر الإنسان بغرس فسيلته حتى لو علم بقيام القيامة؟ ebn-aldeera@alkhaleej.ae