من الواضح أن العالم بطريقه لمواجهة مخاطر قد تُعرِّض الأمن والاستقرار في كثير من دول العالم لهزّات، وربما مآسٍ كبيرة.. ففي الماضي، خلال الحرب الباردة، كانت هناك قوتان رئيستان تسيطران على الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي، وتوفر كل منهما السلاح والعتاد، أو تمنعه عن الدول التي تتعامل معها، وتمارس الضغوط للمحافظة على الاستقرار بما يحقق مصالحها الخاصة. وعندما سقط الاتحاد السوفيتي تحوّلت أمريكا لتصبح القوة الأعظم في العالم. إلاّ أن هذا لم يستمر طويلاً، وسعى تطرف اليمين الأمريكي إلى الاستهتار بالدخول في مغامرات عسكرية سيئة التنفيذ والإدارة انعكست على الاقتصاد الأمريكي وأفراد القوات المسلحة بخسائر، جعلت المواطن في أمريكا يُطالب بالعودة عن المغامرات، والسعي لتحقيق الاستقرار الداخلي. وكان من نتائج هذه المشاعر أن نجح باراك أوباما، رغمًا عن خبرته المحدودة في السياسة الداخلية والخارجية، ليصبح رئيسًا ثم يكرر الناخبون ذلك في إعادته للبيت الأبيض مرة أخرى بعد أن أكمل فترته الأولى، الأربع سنوات، فيه. جاء أوباما، وفريقه، إلى سدة الرئاسة الأمريكية وهو يحلم بتطبيق نظريات العدالة والسلام في مختلف أنحاء العالم، وبالرغم عن عدم تمكنه من تنفيذ ذلك باستخدام النظريات المتفائلة التي يتمتع بها، إلاّ أنه مضى قدمًا في ذلك خلال فترته الرئاسية الثانية الحالية. وفتح هذا الأسلوب (شهية) أطراف عديدة، في مختلف أنحاء العالم، للسعي لتنفيذ أجندات توسعية باستخدام كل الوسائل التي يمكن أن تُحقِّق لهم أهدافهم حتى وإن كانت تلك الأهداف دموية وغير أخلاقية. يريد أوباما عالمًا مختلفًا عن الذي نعيشه، ولكنه يحلم ويبشر بذلك فقط ولا يرغب في استخدام أي وسائل قوة متاحة لأمريكا. فهل يريد، مثلاً، حل النزاع العربي الإسرائيلي، ولكن بدون أن يضغط على إسرائيل، بل مكافأتها بإطلاق سراح جاسوس لها لتوافق على مواصلة الحديث عن الحديث حول إطار تحقيق السلام. ويريد من إيران أن توافق على وقف تخصيب اليورانيوم عند الدرجة التي أعلنت هي أنها وصلت إليها ليتمكّن من إقامة علاقات ودية نشطة معها، بينما ينشر الإيرانيون الدمار، ويسيلون الدماء في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ويريد احتواء وكبح الإرهاب وتحويل أفغانستان إلى دولة (ديمقراطية)، كما فعل في العراق. عندما وصل أوباما إلى الحكم وعد مواطنيه بالقضاء على القاعدة، وتحقيق النصر في أفغانستان، وإعادة ترتيب العلاقات مع روسيا. وقام بإلغاء المظلة التي كان يتم وضعها في أوروبا الشرقية للحماية من أي هجوم نووي مستقبلي، وقام بتقليص القوات الأمريكية في أوروبا إلى سبعة وستين ألف فرد بعد أن كان عددها خلال الحرب الباردة حوالى أربعمائة ألف. نوايا أوباما طيبة، ولكن ما هكذا تحكم الدول.. فعندما عجز عن إظهار جدية في معالجة الأزمة السورية سارع الكرملين إلى تولي الملف، وزاد الإيرانيون من دعمهم العسكري له بالعتاد والرجال، وسالت دماء أبرياء كثيرين بينما تقاطر الأشرار من كل حدب وصوب يساهمون مع النظام والجنود الإيرانيين في ذبح المواطنين وتشريدهم بحجة تحريرهم، فيما تقلص دور السوريين الثوار المحرومين من السلاح والعتاد والدعم الجاد. وسارع الإيرانيون إلى التدخل على امتداد الإقليم بشكل أكثر اتساعًا، ولم يتردد روحاني، الرئيس الإيراني، في إرسال أحد الطلبة السابقين الذي شارك في احتجاز الأمريكيين لأكثر من عام، خلال رئاسة رجل طيب آخر، هو جيمي كارتر، ليكون رئيسًا لبعثة بلاده في نيويورك وهو أمر يعتبره الأمريكيون رسالة تحدٍّ لهم واستهتار بإدارتهم، وفي رسالة تحدٍّ أخرى، قام وزير الخارجية الإيراني بوضع أكليل من الزهور في لبنان على قبر قاتل متهم بتفجير ثكنات أمريكية ببيروت عام 1983، في الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تحذر الكونجرس من عدم التصرف بشكل يسيء إلى المحادثات الجارية مع الإيرانيين. المغامرة التي قام بها الروس باحتلال شبه جزيرة القرم تعكس مدى استهتار الآخرين بجدية أمريكا وتقييمهم لضعف إرادتها، فروسيا وأمريكا وبريطانيا وقعت اتفاقية مع أوكرانيا تتعهد الدول الثلاث بموجبها باحترام وحماية أراضيها وحدودها مقابل تخليها عن الصواريخ العابرة للقارات والرؤوس النووية، ولم تحترم روسيا هذه الاتفاقية. وإذا لم تتغير السياسة الأمريكية الخارجية الحالية فإن المخاطر سوف تتزايد بشكل سيؤدّي إن عاجلاً أو آجلاً إلى صراع عسكري سيكون ثمنه، عدة وبشرًا، عاليًا على أمريكا وعلى غيرها. adnanksalah@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (5) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain