خلال الأشهر الماضية، تابعت الكثير من اللقاءات الصحفية والمؤتمرات التي تتحدث عن أزمة الإسكان في المنطقة وكيف تطرق الكثير من المحللين والصحفيين لهذه المشكلة من عدة جوانب بما فيها كبار العقاريين الذين بنوا القطاع العقاري بشكله الحالي وساهموا في صناعته محققين ثراء لا حدود له. المؤسف أن جميع من يخوض في هذا الموضوع لم يتناول الأسباب الحقيقية وراء مشكلة شح الأراضي وارتفاع اسعار العقار بل يستمرون في التركيز على الظواهر تارة، وتارة ينقضّون على وزارة الإسكان وهي التي تسعى حثيثا لتطبيق استراتيجية اسكانية أراها الطريقة الأنسب للتعامل مع مسألة الإسكان في السعودية. الاعتقاد السائد لدى الجميع أن سبب مشكلة شح الأراضي هي الأراضي البيضاء المترامية الأطراف في أنحاء المملكة وهم غير محقين في ذلك لأنها تعتبر فقط أحد ظواهر مشكلة شح الأراضي في السعودية. جذور المشكلة أعمق من تصور المتابعين والمحللين، فالموضوع يرتبط بشكل أساسي في سلوك الادخار والاستثمار للفرد السعودي الذي تشكل خلال العقود الماضية في ظل نظام مالي يفتقر لأبسط وسائل الإدخار. شح الأراضي الذي نعيشه حاليا ساهم ويساهم في تغذيته بشكل مستمر كل فرد سعودي يتملك أرضا بغرض الادخار والاستثمار، خاصة الأراضي التي تقع في مناطق خارج النطاق العمراني ولا تستحق أن يتم الصرف عليها لتشكيل بنية تحتية متكاملة. هذا السلوك الادخاري كان الوقود الأساسي لبناء القطاع العقاري السعودي الحالي وتحويله إلى سوق شبيه بسوق السندات الحكومية، وكبار تجار العقار هم صناع السوق فيه يقودونه بأي شكل يخدم مصالحهم. كما اشرت في السطور السابقة، ارتفاع اسعار العقار المستمر وشح الأراضي يقوده استمرار الأفراد السعوديين في الاستثمار والادخار فيه لافتقادهم أي وسائل ادخارية، مما يعني أن المشكلة ستتفاقم أكثر ان لم يقم النظام المالي السعودي في توفير البديل ليتخلى الأفراد عن فكرة الاستثمار والادخار في العقار. البديل الذي اشير إليه هو سندات الخزينة أو صكوك الخزينة الحكومية ذات العائد المستقر ومضمون رأس المال وشرعي تماما كالعقار. السؤال المهم هو كيف ستتمكن الإدارة الحكومية من إقناع المواطنين بتغيير سلوكياتهم الاستثمارية والإقبال على الصكوك الحكومية بدلا من الاستثمار في أراضي قلعة وادرين. والسؤال الأهم هو كيف ستتمكن من القيام بذلك في وقت قياسي أقل من سنة واحدة ويفجر فقاعة الاراضي وينهي مشكلة شح الأراضي في لمحة عين؟! الحل بحسب تصوري يبدأ بأن تصدر مؤسسة النقد صكوك خزينة حكومية مدتها عشر سنوات بعوائد سنوية تصل إلى 5% يتم تداولها لاحقا في سوق ثانوي، وأن تعرضها على أصحاب الأراضي الأفراد مقابل أراضيهم ليتخذوا قرار استبدالها بشكل اختياري، وعندما تتجمع لدى مؤسسة النقد بلكات متجاورة تقوم بتسليمها لوزارة السكن لتنفذ عليها استراتيجياتها. بهذه الطريقة تتلافى الدولة صرف اموال طائلة مقابل تثمين أراضي وخلافه وتغير سلوكيات الأفراد الادخارية في نفس الوقت ليتعودوا على الصكوك. أثناء قيام المؤسسة بهذه العملية، تشرع وزارة الاسكان بحملة اعلامية تشرح للعامة آثار هذه الصكوك السلبية على أسعار الأراضي مستقبلا لأن كبار تجار العقار سيتخلون عن صنعتهم بشكل تدريجي عندما لا يجدوا أي مشتري لمخططاتهم، فسلوكيات الأفراد الاستثمارية ستتغير بشكل تدريجي فالصكوك بعوائدها المستقرة وسهولة تسييلها ستكون أكثر جاذبية من أرض لا يمكن تسييلها بسهولة أو حتى الاستفادة منها اذا كانت خارج النطاق العمراني بخلاف الكشتة عليها. ولا أنسى أن أشير الى أن هذه الحركة ستخلق سوقا مالي جديدا يدعمنا اقتصاديا. *متخصص مالي واقتصادي