تركزت تصريحات المسؤلين بمصر عن الثمار الإيجابية المرتقبة لتعويم الجنيه المصري ، فى زيادة الصادرات بسبب رخص قيمتها، وتقليل الواردات بعد ارتفاع تكلفة استيرادها ، وزيادة السياحة والاستثمار الأجنبي ، لكن كثيرا من تلك الثمار لم يتحقق بعد . وكان المفترض بعد مرور أربعة أشهر ونصف على قرار التعويم للجنيه أن يتحقق الاستقرار النسبي لسعر الصرف ، إلا أن سعر صرف الدولار بالبنوك الرسمية ما زال يتعدى الـ18 جنيها مثلما كان الحال بالسوق السوداء قبل التعويم ، والأهم من ذلك هو عدم توفر الدولار بشكل كامل للمستوردين ، فما زالت هناك أولويات لتدبير الدولار حسب نوع السلعة المستوردة ، بإعطاء أولوية للسلع الغذائية . والنتيجة استمرار السوق السوداء بسعر أعلى من سعر البنوك ، لتلبي احتياجات السلع غير الأساسية ، وما زالت البنوك لا تغطي طلبات الأفراد للحصول على الدولار ، حيث تشترط وجود تذكرة للسفر وتأشيرة لصرف مبالغ محددة، وهو ما يشير لعدم تنفيذ الأسعار المعلنة بالبنوك لبيع العملات الأجنبية. ويرتبط بذلك إضافة البنوك عمولة تدبير عملة على قيمة الدولارات المباعة للمستوردين، تصل أحيانا إلى نسبة 10 % من سعر البيع . وكانت بيانات البنك المركزى الخاصة بأداء الربع الأخير من العام الماضي والذى تم التعويم خلاله. الشاهد الرئيسي على عدم تحقق غالب ثمار التعويم التى وعد بها المسؤولون، هو انخفاض حصيلة الصادرات السلعية بربع العام الذى شهد التعويم ، عن الربع السابق له بنحو 76 مليون جنيه بنسبة تراجع 1.5% . وعلى الجانب الآخر زادت قيمة الواردات السلعية بنحو 463 مليون دولار ، عن فترة المقارنة قبل التعويم مباشرة بنسبة نمو 3 % ، والنتيجة أن العجز بالميزان التجاري قد زاد بنحو 539 مليون دولار بنمو 6 % عن الربع السابق للتعويم . تراجع الإيرادات الخدمية بعد التعويم وتكرر نفس الأمر بالتجارة الخدمية حيث تراجعت المتحصلات الخدمية بنحو 218 مليون دولار عن ربع العام السابق للتعويم ، كما زادت المدفوعات الخدمية بنحو 146 مليون دولار ، والنتيجة تراجع الفائض بميزان الخدمات بنحو 364 مليون دولار بنسبة تراجع 26 % . وجاء تراجع المتحصلات الخدمية بسبب نقص إيرادات خدمات النقل وانخفاض حصيلة قناة السويس ، ونقص المتحصلات الحكومية عن فترة المقارنة السابقة للتعويم، وكان سبب زيادة المدفوعات الخدمية ارتفاع المصروفات الحكومية والمدفوعات الخدمية لغير النقل والسياحة . وتشير البيانات الرسمية لزيادة إيرادات السياحة بنحو 68 مليون دولار بربع العام المواكب للتعويم عن الربع السابق له، إلا أن تلك الزيادة لا تعبر بشكل واضح عن تحققها بسبب التعويم، نظرا لأن الموسم السياحي فى مصر عادة ما يكون شتويا ويبدأ فى بداية أكتوبر من كل عام ، بينما تكون الشهور الثلاثة السابقة للموسم الشتوى للسياحة أشهر صيف يقل روادها من الأجانب . ولهذا فالأصح مقارنة أداء السياحة بالربع الأخير من العام الماضى بنفس الربع من العام الأسبق، وهنا نجد الإيرادات السياحية بربع العام المواكب للتعويم قد انخفضت ، عن نفس الربع من عام 2015 بنحو 155 مليون دولار ، أى أن التعويم لم يزد الإيرادات السياحية ، حيث ما زالت عوامل الأمن وضعف الاستقرار تؤثر فى قدوم السياح . ورغم معاناة الشركات الأجنبية من صعوبة تحويل أرباحها للخارج قبل التعويم ، فإن زيادة مدفوعات تلك التحويلات للأرباح للخارج بنحو 21 مليون دولار فقط بعد التعويم ، يشير الى أن مجال خروج تلك الأرباح ما زال به بعض المعوقات . وما بعد التعويم فقد استمر العجز بميزان المعاملات الجارى المتضمن للموازين التجارية والخدمية والتحويلات ، ليصل الى 4.7 مليار دولار خلال ربع العام المواكب للتعويم وهو ما يعد أكبر شاهد على عدم جنى ثمار التعويم بعد . زيادة الأموال المتسربة للخارج أما عن الثمار التى تحققت خلال ربع العام المواكب للتعويم فتتمثل فى زيادة قيمة تحويلات المصريين بالخارج ، بنحو 1.2 مليار دولار نتيجة تعامل البنوك بنفس أسعار السوق السوداء قبل التعويم بما يحقق للمغتربين المنفعة المادية والأمان ، بدلا من مخاطر التعامل مع جهات خارج الجهاز المصرفى ، تم تجريم التعامل معها مؤخرا . ومن الثمار زيادة صافى الاستثمار الأجنبى المباشر بنحو 543 مليون دولار بعد التعويم ، إلا أن الاستثمار الأجنبى المتحقق بربع العام المواكب للتعويم والبالغ 2.4 مليار دولار ، مازال أقل مما تحقق بالربع الأول من عام 2015 بنحو 133 مليون دولار . وبعد التعويم زيادة استثمارات الحافظة للأجانب بمصر لتصل إلى مليار دولار ، إلا أنها ما زالت أقل مما تحقق بالربع الثانى من العام الأسبق بنحو 373 مليون دولار ، وكانت زيادة استثمار الحافظة للأجانب بالربع المواكب للتعويم ، نتيجة زيادة مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية لتصل الى 632 مليون دولار ، خاصة بعد رفع الفائدة عليها لحوالى 20 % . ومن ناحية أخرى فقد زادت الأموال المتسربة للخارج بعد التعويم بنحو 516 مليون دولار عما تسرب بالربع السابق للتعويم . وقد يرى البعض أن حدوث فائض بالميزان الكلى لميزان المدفوعات بلغ 5.1 مليار دولار بربع العام المواكب للتعويم كان نتيجة قرار التعويم ، لكن ذلك الفائض الكبير جاء نتيجة الاقتراض والودائع الأجنبية بنحو9.7مليار دولار بالربع الأخير من العام الماضى ، أى أنه بدون ذلك الاقتراض كان الميزان الكلى للمدفوعات سيسفر عن عجز بنحو 4.6 مليار دولار .