تتمدد كلماتها كأجنحة العصافير، فتهدي الحروف لقرائها فراشات من الحلم، فتستحيل الفواصل لنقوش من الحنّاء تزدان بها صفحاتها قصائدها... إنها باختصار الشاعرة السعودية خديجة إبراهيم التي كان لنا معها هذا اللقاء. أكتب لأمي r كيف يمكننا التعرف على خديجة إبراهيم؟ - عابرة سماء الأحلام.. العالقة حتى أطراف الغمام.. القابضة على أرض المستحيل.. أكتب بمداد المشاعر ويراع الإحساس، بعين الضمير ووعي الفكر.. أكتب لقلب أمي الوارف بعبق البنفسج لرغيفها الساخن بحرارة العناق.. إلى من تجذرت بي وانسلت من أديم نبضي ورحلت بي عني للأحلام.. للأماني القابعة خلف السراب.. للوجوه التي تتشكل وتبقى على رفوف الذاكرة وتأبى أن تغادر بصمت..! شاعرة وكاتبة، لي بعض المقالات. صدر لي مجموعة شعرية بعنوان «مدارج دفء»، وقد قمتُ بتصوير بعضها على اليوتيوب.. هكذا أنا باختصار. r ما سر الجنوح للغموض في تعابيرك الشعرية؟ - النص الحديث بكل أركانه الإبداعية الذي ينهض على ثلاثة ركائز أساسية: الفكرة، الصور والمفردة. كل فضاء منها له عوالمه وإشكالياته وقربه وبعده كالفنان الذي يرسم فنه ويترجم من خلاله ثقافته ووعيه وحضوره وبصمته التي يُعرف بها من أول وهلة، وشخصياً. في الحقيقة لا أرى غموضاً في مفردتي ولا فيما أكتبه، بل هو نوع التأسيس والبناء في صياغة المفردة بما يتناغم مع الفكرة والصورة الذهنية عندي، مع الأخذ في الاعتبار أن ثقافة وفكر المتلقي هي من ترى التفاوت بين مبدع وآخر، وبين نص وآخر. فالبعض يراه غاية في الإبداع والجمال، وهناك من يراه هذياناً لا قيمة له، وآخرون يرونه خارج دائرة الفهم، وأنه دون ذلك، لهذا يصادره هذا أو ذاك لعجزه عن فهم الحالة الإبداعية الحديثة، وتلك قضية أخرى أبتعد عنها في حال كتابتي لنصوصي الشعرية. r في إصدارك «مدارج دفء» تتمازج رفرفة العصافير بألم الغياب وانهمار الدموع بجمال المطر.. أين خديجة إبراهيم بين هذه الأشياء؟ - أي مبدع حقيقي وأصيل يجد نفسه جزءاً مكملاً وطبيعيًّا ومشروع حياة لمنظمومة جماليات الكون، في أدق تفاصيل تفاصليها. إنه يرسم ألوانه ويعطر كل ما حوله، ويغني كالعصافير على شرفات الفرح، ويحلق فوق جناح غيمة مسافرة، ويمتزج برائحة الأرض المغسولة بالمطر وبحكايات الصباحات البكر، ويغتسل بالشواطئ الحالمة، ويقف فوق الجبال الشامخة ليرى الوجود الجميل في اخضرار المدرجات والحقول. إذاً نحن نغني للحياة، والحياة بكل ضجيجها بلا حدود تؤطر أرواحنا، وبلا أصوات نشاز تقتل البهجة في داخلنا.. وما «مدراج دفء» إلا صفحة أخرى من صفحات الحياة، كتبتها بمداد روحي ونسيج عقلي ومعين فكري، وسكبت فيها ما أشعر به من صور وحالات المتعبين، بكل هذه الطبقات التي تعج بنبض فضاءات الكلمة والإحساس في هذا العالم. r لماذا تلجأ الفتاة للاسم المستعار كما كنت تفعلين زمن المنتديات؟ وما السبب لتبيان الاسم؟ - عادة وخاصة في البدايات يلجأ الكثير من الاسماء خاصة المبتدئين ومن الجنسين للكتابة تحت اسم مستعار خوفاً من إرهاصات الخطوة الأولى، واضطرابها، وخوفاً من الانتقادات، وقد رأينا أسماء كبيرة على المستوى المحلي والعالمي كانت بدايتها تحت اسم مستعار. لقد مررت بهذه التجربة في المنتديات وأنا أكتب باسم مستعار، وربما يرجع ذلك من باب الشعور بالأريحية والتثبت من نضوج التجربة الكتابية، ولكي تأخذ التجربة المدى المطلوب، ويشتد عودها، وعندما قررت النشر الورقي صرحتُ باسمي الحقيقي تفادياً لأي لبس في المعرفات للحفاظ على حقوقي الفكرية، ومن أجل الوصول للمتلقي الكريم وللنقاد أيضاً بكامل تجربتي الواضحة والصريحة. r علمت بأن «مدارج دفء» في طريقه للخروج باللغة الفرنسية.. متى سيتم إصداره؟ وما ظروف هذا العمل؟ - بلا شك أن الإطلالة على المتلقي في العالم، ومن خلال لغته أمر في غاية الأهمية، وبالتالي نصل بأدبنا وثقافتنا وموروثنا الفكري إليه ونقول له ها نحن هنا، وهو ما حرصت عليه من خلال «مدارج دفء» الذي سيرى النور بإذن الله حالما يتم الانتهاء من الإجراءات اللازمة للعقد، ومن المراجعة والتدقيق اللغوي، وكل الظروف المصاحبة لهذا العمل، وهذه فرصة جميلة ساقها لي القدر حينما كنت أنشر بصفحتي على الفيسبوك، فقد ترجم لي أحد الأدباء المعروفين بعض ما كنت أنشره من نصوص شعرية، وهو الروائي القدير: إبراهيم درغوثي نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين الذي قام بترجمتها للفرنسية بعد أن نالت إعجابه، وبعد أن أصدرت الديوان اقترح عليّ ترجمته بالكامل للفرنسية ورشح لي أحد أصدقائه وهو القاص والشاعر الجزائري: حفناوي سيد، وبالفعل تمّت الترجمة.. فلهما مني جزيل الشكر والتقدير. rلماذا يحرص الحداثي على كتابة قصيدة النثر؟ - ليس إلى هذا الحد، فأنا ضد تصنيف الأعمال الإبداعية، ومن الثوابت عندي عدم صبغ الإبداع بفضائه المدهش بهذا المنظور، لأن الربط بهذه المسميات هو قتل للمبدع وإحراق لذاته المبدعة، ويشكل جموداً معرفيًّا عن المد الثقافي. المبدع يتنفس ويبدع ويفكر ويقرأ بلا تصنيف، إنه ينحاز لمنظومة العمل الإبداعي الجمعي المتكامل. وإذا بقينا على هذه الوتيرة في تصنيف إبداعنا بهذا الشكل وحصرناه بين الحداثي والتقليدي فنحن لن نصل إلى فضاءات الإبداع الحقيقية مهما عملنا، وسنظل ندور في حلقة مفرغة، وقودها توارث الأجيال لهذه المسميات والتصنيفات التي رفضتها كل الثقافات الأخرى وبقي البعض منّا يرددها للأسف. r ما مشاريعك الأدبية القادمة؟ - أعمل حالياً على تهيئة مجموعتي الشعرية الثانية، وأتمنى أن ترى النور في معرض جدة الدولي للكتاب القادم بمشيئة الله تعالى.