كثير من أفراد حركات العنف وداعش هم من دول أخرى، فلماذا لم يتم اتهام مقرراتهم الدراسية، كما يفعلون مع مقرراتنا؟ وهذا يبين أن الهدف هو استهداف وطننا وعظنا الأمير الصالح المصلح نايف بن عبدالعزيز رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وجعله من ورثة جنة النعيم، وعظنا موعظة بليغة، وأوصانا وصية مُودِّعٍ محبٍ مُطَّلِع، فقال: (أقولها بكل وضوح وصراحة، نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، دافعوا عن الأجيال القادمة)، وبحمد الله فإن أبناء هذا الوطن يعملون بهذه الوصية العظيمة، ويستشعرون مكانة هذا الوطن الذي هو مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ويستشعرون مكانة قيادته الذين هم حماة العقيدة الصحيحة منذ ثلاثة قرون، ولذلك نرى تفاني أبناء هذا البلد، وتكاتفه مع قيادته، ورجال أمنه، بصورة لا نظير لها في العالم، لأن هذا هو الواجب عليهم شرعا، ولأنهم يعلمون أن حفظ سور بيوتهم الخاصة التي تضم أبناءهم ومحارمهم، لايتم إلا بحفظ سور وطنهم، ومن اقتحم -لا قدر الله - سور الوطن الكبير، فسيتخطى سور البيت الصغير، ويعلمون كذلك أن كثيرا من المفسدين، وأهل التحريش، يرفعون رايات الإصلاح، وهم في الحقيقة مفسدون، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)، ولا يخفى عليهم أن المُفسِد ابن سبأ رفع (شعار الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ بيت المال)، فهيَّج الناس، وملأ قلوبهم حقدا على ولاتهم، فكان نتيجة ذلك قتل إمام المسلمين الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه، ونهب بيت المال، ووقوع المنكر، فأبناء هذا الوطن الكريم لا تنطلي عليهم الشعارات البرَّاقة، وإنما ينظرون إلى الحقائق والمآلات، آخذين العلم من النصوص الشرعية ومن التاريخ، ولهذا لما جاء ما يسمى إعلاميا بالربيع العربي، كان موقف أبناء هذا الوطن بعلمائه وكتابه ومفكريه ودعاته وخطبائه وسائر مواطنيه موقفا مشرفا، وقفوا مع وطنهم وأمنهم وقيادتهم، ومن أراد بالوطن سوءا ردوه خاسئا وهو حسير، لكن بعض أبناء الوطن، ربما بحسن نية، وعدم فقه للمآلات، صدرت منهم أقوال استفاد منها أعداء الوطن، وربما لو تصوروا مآلات أقوالهم لما تحدثوا بها، وإن كانت حقاً، فكيف وهي أوهام لا تصمد أمام البحث العلمي؟ فإن قيل العبرة بالنوايا، فالجواب أن النتائج تبنى على المقدمات، بغض النظر عن النوايا، فمثلا من كان فظا غليظ القلب فإن النتيجة الحتمية هي انفضاض الناس عنه، مهما صلحت نيته، قال تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فكذلك من يقول كلاما خطيرا ضد وطنه، فإنه يخدم الأعداء، وإن كانت نيته سليمة، صحيح أنهم قلة لا يتجاوزون أصابع اليدين، لكن ذلك مؤثر، فالشخص الواحد يخرق سفينة فيغرق الجميع، وأنا هنا لست ضد النقد، النقد مطلوب، ولكن يمكن أن يوجه لمن يعنيه الأمر، فمثلاً: نقد المقررات الدراسية، يمكن أن يكون في مجمعات علمية، ومجالس تربوية، مع أهل الشأن، فيقدِّم المنتقِد ما لديه من نقولات يراها تؤيد العنف والفكر الضال، وليستمع من أهل الاختصاص، فربما يتبين له أنه متوهم، فيحمد الله أن تبين له الحق، وإن كان فيه ما يستوجب التعديل والتطوير ففي الوزارة وكالة معنية بهذا الشأن، وتتقبل الملحوظات، فهذا شأن داخلي، لكن بعض الكتاب والخطباء - هداهم الله - تسرعوا فنشروا للعالم في وسائل الإعلام تهما خطيرة تتضمن أن مقرراتنا الدراسية تدعو للعنف والفكر الضال الذي عليه داعش، وقد استفاد من تلك التهم الظالمة كل من له موقف سلبي ضد وطننا، فصاروا يقدمونها على أنها حقائق تدين وطننا، ومن ذلك ما ذكره المذيع الأوروبي المسمى سيباستيان من تهم، قدمها حججا له يريد من خلالها إدانة بلادنا، وكأنه يقول ندينكم بما قاله بعض أبناء وطنكم، ولذلك صرَّح ببعض الأسماء، وعرَّض عن بعض، وذلك في مقابلته مع الأمير تركي الفيصل وفقه الله في برنامج في دائرة الخطر، وكنتُ درستُ تلك التهم في كتابي (الدعاوى المتعلقة بالمقررات في التعليم بالمملكة العربية السعودية، عرض وتقويم) فوجدتُ أن بعضها نقولات لا وجود لها في المقررات، وبعضها قُطع من سياقه وقيوده التي توضحه، وبعضها لاسيما ما يتعلق بسماحة الإسلام، تم كتمه، وحاشا مقرراتنا الدراسية أن تتضمن الإرهاب وفكر داعش، لقد خرَّجت المقررات علماءنا وأمراءنا وكتابنا ومجتمعنا، وحتى الناقدين لها هم من خريجيها، بل إن ما في المقررات من علم هو ما يبطل شبهات أصحاب الفكر الضال، فكيف يقال إنها تتضمن العنف؟ وأعداء الإسلام- يفرحون بهذه التهم- مع أنهم يعلمون براءة مقرراتنا من العنف وداعش، فداعش والقاعدة صنيعتهم، وهي بضاعتهم، وفَّرُوا لعناصرهما المأوى والدعم، ونحن المتضررون منهما، فهم جمعوا بين سيئتين، أوجدوا تنظيمات تحاربنا، واتهموا مقرراتنا الدراسية، كسبوا إثما، ورموا به بريئا، وقد حاورت منذ اثنتي عشرة سنة ولا أزال موقوفين في قضايا أمنية، ووالله ما سمعت أحدا قط ذكر أن المقررات الدراسية سبب في ما وقع فيه، وإنما يذكرون أسبابا أخرى ليس هذا موطن ذكرها. ومعلوم أن كثيرا من أفراد حركات العنف وداعش هم من دول أخرى، فلماذا لم يتم اتهام مقرراتهم الدراسية، كما يفعلون مع مقرراتنا؟ فهذا يبين أن الهدف هو استهداف وطننا، وإذا كنا نتفهم تجني أعداء الإسلام، لأن الله أخبرنا عن ذلك فقال تعالى (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، فإنه ليحزنني جدا أن يكون بعض أبناء هذا الوطن - هداهم الله - مصادر لمن يستهدف وطننا، يعطونهم الذريعة الكاذبة، ليسلقوا وطننا بألسنة حداد، والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لَا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)، ولا يليق أن تكون ردود الأفعال، أو الصراعات بين التيارات، أو أي مسوَغ آخر، سببا لإطلاق تهم كاذبة خاطئة يستفيد منها أعداء وطننا، ومن تلكم التهم ما ذكره الأوروبي تيم سيباستيان من أن: مقررات المملكة الدراسية ترى قتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ولسوء فهمه زعم أن ذلك من العنف، والواقع أن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي قال (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله) فمشكلته مع الإسلام ونبي الإسلام، وليست مع مقرراتنا، ويجهل هذا المذيع الأوروبي، وربما مصادره من بعض بني جلدتنا، كذلك يجهلون معنى الحديث وضوابطه، ويغمضون أعينهم عن ما جاء في المقررات من ضوابط تشرح ذلك، ولهذا أقول: ليس المقصود بلفظ (الناس) في قوله (أمرت أن أُقاتل الناس) كل الناس، فالمؤمنون من الناس وهم مستثنون، والمنافقون من الناس وهم مستثنون لأنهم يقولون لا إله إلا الله، والكفار الذين لم يقاتلوا المسلمين، وكذا المستأمنون والمعاهدون مستثنون، والأدلة على ذلك كثيرة، ولا يصح أن تُفهم النصوص بطريقةٍ اجتزائية، يقول الله تعالى (وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لايحب المعتدين)، فكما ترى القتال إنما هو لمن قاتلنا، وأما الاعتداء فمنهي عنه بنص الآية، ولهذا لم يقتل النبي عليه الصلاة والسلام اليهودي، بل مات ودرعه مرهونة عنده، وأمرنا ربنا أن نبر ونقسط إلى من لم يقاتلنا ولم يخرجنا من ديارنا من الكفار، كما قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، والمقصود أن لفظ (الناس) من العام الذي أريد به الخاص، ونظيره لفظ الناس الوارد في قوله تعالى (آمنوا كما آمن الناس) فهو ليس للعموم، وإنما المراد بالناس في الآية (الصحابة)، وكل هذا موجود في مقرراتنا، لكن الذي يريد الإدانة لجهله أو عدوانه ينتقي جملة ويقطعها عن سياقها، ثم ينشرها في الآفاق، ومن الغرائب أن مقررات إسرائيل وإيران وكثير من دول الغرب تتضمن أفكارا متطرفة، وعنصرية بغيضة، ومع هذا لم يذكر ذلك كُتَّابُهم، بينما بعض بني جلدتنا تسلطوا على مقرراتنا بظلم وجهل. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند