في الصغر - أيام التلفزيون الأبيض والأسود - كنا نشاهد أفلام الكاوبوي والهنود الحمر، وكم كنا نكره الزنوج الذين كانوا يقطعون الرؤوس ويقتلون النساء والأطفال ويحرقون البيوت.وكنّا نشجع ونتفاعل مع الكاوبوي الأميركي الذي يتصدى لهجمات الزنوج بكل شجاعة، ويطاردهم حتى ينتصر عليهم.فلما كبرنا وقرأنا التاريخ عرفنا الحقيقة المتمثلة بأن الهنود الحمر هم السكان الأصليون، وأن الكاوبوي الأميركي، ما هو إلا غاز محتل، بنى دولته وأسسها على جثث الآخرين.في مصارعة الثيران كان يأخذنا الحماس، وننتظر تلك الطعنات الاحترافية التي كان يوجهها «الماتادور» للثور الهائج الشرس، ونشعر بالفرحة لسقوط الثور بعد الطعنة الأخيرة.ثم صحونا من الغفلة، وأدركنا الحقيقة بعد ما زال سحر الإعلام وغشاوته عن عقولنا وأفكارنا، لندرك أن لعبة مصارعة الثيران ما هي إلا أحد أبشع طرق تعذيب الحيوان قبل قتله. وأن المتعة التي نشعر بها إنما كانت على حساب حيوان وبهيمة حرّم الإسلام تعذيبها.هناك أشياء عديدة في حياتنا يسحرنا بها الإعلام وخاصة الغربي، فتنقلب بها الأكاذيب إلى حقائق، والحق إلى باطل.صوّر لنا الإعلام الأميركي والغربي، حركة «حماس»، حركة إرهابية تطلق الصواريخ لتقتل الأطفال، وفي المقابل جعل اليهود المحتلين هم ضحايا لإرهاب الفلسطينيين.والحقيقة التي لا تقبل الجدال تثبت عكس ذلك، فالقوانين الدولية تبيح لكل شعب أن يدافع عن نفسه، ويسعى لتحرير أرضه.هناك حملة شرسة يقودها الإعلام والساسة الأوروبيون ضد التعديلات الدستورية المرتقبة في تركيا والتي سيتم الاستفتاء عليها في أبريل المقبل. هذه التعديلات تعطي رئيس الجمهورية صلاحيات أكثر، وتجعل عناصر القوة والقرار بيد الرئيس بدلا من أن يتقاسمها رئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء.ورغم أن النظام الرئاسي معمول به في دول ديموقراطية عدة - في مقدمتها الولايات المتحدة - إلا أن الأوروبيين يحاولون تصوير هذه التعديلات في تركيا على أنها تعزيز للديكتاتورية والتفرد في القرار!لذلك سعت دول أوروبية عدة - مثل ألمانيا وهولندا - إلى تعطيل أي فعالية تقام على أرضهم تؤيد هذه التعديلات الدستورية، وصلت إلى درجة منع وزراء في الحكومة التركية من الالتقاء بالجاليات التركية في هذه الدول، وبعضها سحب ترخيص هبوط طائرة وزير الخارجية التركي على أراضيه!والأكثر من ذلك، أن منعوا التواصل والنقل المباشر بين مسؤولين في الحكومة التركية مع الأتراك في أوروبا عبر الأقمار الصناعية!مشكلة الغرب أنه يدّعي الديموقراطية لكنه يحاربها إذا تمت ممارستها بشكل صحيح في الدول الإسلامية، ويعتبر أن هذه الدول إذا مارست الديموقراطية فإنها توصل المتطرفين والمتشددين الإسلاميين، وهذا ما لا يريدون حصوله، لذلك فهم يدعمون الانقلابات والحكم الديكتاتوري، ما دام يقصي الإسلاميين ويبعدهم عن الحكم.لقد أغاظ الأوروبيين لمعان نجم الدولة التركية الحديثة - بقيادة أردوغان وحزب العدالة - وتقدمها على الصعيد الاقتصادي، وتطورها في التصنيع العسكري، لذلك يتطلعون إلى اللحظة التي يأفل بها هذا النجم.إن واجبنا كمسلمين أن ننظر إلى الأمور على حقيقتها، وألا ننخدع بالإعلام الغربي، الذي ضحك على عقول الشعوب الغربية والعربية لسنوات طويلة بادعاء أن الإرهاب صناعة إسلامية، بينما الواقع والتاريخ يثبت أن أميركا وأوروبا هم سادة الإرهاب والتطرف.ويكفي التأمل في الضحايا المدنيين للحروب التي شاركوا فيها أو الدول التي احتلّوها لتتكشف لك حقيقة إرهابهم وإجرامهم.Twitter: @abdulaziz2002