بقلم : محمد بن عبدالله المشوح ليس بحاجة من ينشد لمجتمعه وأمته المجد والرقي والحضارة والبناء القويم أن يغرق في البحث والتأمل عن الطريق الأمثل والخطوة الأخصر والعتبة الأولى. حيث قدم الملك عبدالله هذه الوصفة الناجحة لمجتمعه السعودي والتي استلهمتها العديد من الدول التي ممن يرقب التجربة السعودية الجريئة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي وكذلك قراءاته المتعاقبة نحو التوسع في التعليم الجامعي خصوصا في ظل مجتمع واعد يخطو خطواته نحو التنمية والتقدم. ومن هنا فعلى الرغم مما قيل عن الإنجازات الوطنية التي تحققت في عهده حفظه الله إلا أنه في نظري سوف يبقى التعليم الجامعي العالي هو العلامة الأميز والفارقة في مسيرته وعهده خصوصا وأن هؤلاء الشباب والفتيات يمثلون ثلثي المجتمع السعودي. عندما حضرت حفل التخرج للدفعة الرابعة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في المملكة المتحدة كنت على يقين أن هناك تميزا وإعدادا جيدا لهذا الحدث والمناسبة الوطنية الكبرى لكني وبكل إنصاف وواقعية لم أكن مبالغا في الحلم والأمل في أن أشاهد هذا التميز والإبداع والإتقان وحسن التنظيم وروعة المناسبة. لا شيء يعلو في تلك القاعة الكبرى التي تتسع لأكثر من خمسة عشر ألف ضيف سوى الوطن. هي التمتمة التي ترددها الشفاه في تلك الاحتفالية والمناسبة بدءا بتلك الأناشيد والأهازيج والتقديم والكلمات التي ألقيت. أما المشهد المهيب حقا فهو أبناؤنا الخريجون وهم يحتفون بالوطن وشاحا ولفظا ونطقا. وحين اصطف الجميع تحية للوطن والسلام الملكي السعودي وارتجت القاعة بالنشيد الوطني التي تعالت بها أصوات الخريجين بكل عفوية وصدق امتدت وشائج الوطن الكبير في شرايين الحضور. أجل إنه الاستثمار الأمثل والأصح الذي أنفقت عليه الدولة بسخاء وتحتل مملكتنا الغالية المرتبة الثانية في أعداد المبتعثين بعد الصين الكبرى. إنه الإنجاز الذي للأسف لم يحظ بالتغطية والإشادة اللازمة من قبل روادنا ومثقفينا وكتابنا بل ومسؤولينا. لماذا نحسن كثيرا جلد الذات وتناول أوجه القصور والنقص. وحينما يأتي الحديث من المنجز الوطني يغض الطرف البعض ويتجاوزه باستحياء. الملحقية الثقافية السعودية في لندن تمثل أحد أضلاع المثلث الضخم للبرنامج وهي أمريكا وكندا والمملكة المتحدة. وشاهدت بعيني مدى الارتياح الكبير والقبول العظيم الذي يحظى به عمل الملحقية ودور الملحق هناك د. فيصل المهنا أبا الخيل الذي استطاع بأدائه الوطني الصادق أن يعيد قصص وأساطير عبدالعزيز المنقور وأقرانه من السفراء والملاحق النوادر في رعايتهم للطلاب واحتضانهم لشؤونهم فكل مبتعث يشعر بالقرب منه حقا. إن أدوار الملاحق الثقافية لا تقل بحال أبدا عن أدوار السفراء فهم أمناء على الطلاب الذين أنفقت عليهم الدولة بسخاء وعانوا محن الغربة وبذلوا أوقاتهم وأعمارهم للعلم فحسب. وكانت إدارة الحفل بتلك التقنية الفائقة والتنظيم النادر شهادة حاضرة على أداء الملحقية هناك وتمنيت أن تكون القنوات الفضائية والصحف الأجنبية حاضرة لترى هذا المشهد الوطني الرائع والوطن يستثمر وينفق ويصرف لكن لبناء الإنسان فحسب. الراصدون للحراك التنموي السعودي جميعهم يرون أن برنامج الابتعاث سوف يبقى التجربة السعودية الكبرى والتحول الكبير لمسيرتها. فهي تجاوز لكل معايير التسويف والأماني إلى العمل الجاد نحو بناء الشباب وتزويدهم بالسلاح الوطني بإذن الله من داء وهو التعليم. هنيئا لهذا الملك الصالح هذا العمل التاريخي الذي يؤكد علو الهمة وصلاح القصد. ختاما كانت لفتة وموقفا إنسانيا ووطنيا رائعا حين قدم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف سفير خادم الحرمين الشريفين في المملكة المتحدة حين توقف عن إلقاء كلمته ليرفع التعازي إلى معالي الدكتور إسماعيل البشري مدير جامعة الجوف في وفاة عدد من أبنائه في حادث مؤلم ومؤسف وهو تعبير عن وحدة الوطن فوق رباه وخارجه. نقلا عن عكاظ