في الأسبوع الماضي أدخلت المستشفى لعملية جراحية، وقد طلبت من الأقرباء والأصدقاء الذين كانوا على علم بالعملية أن لا يزورني أي منهم في المستشفى، وأن يكتفى كل محب برسالة دعاء أو مكالمة هاتفية إذا سمحت الحالة بذلك واستجاب الجميع لذلك، لذا كانت إقامتي في المستشفى قصيرة وخالية من العناء غير اللازم، ومع ذلك لم يخلُ الأمر من قلق، فبعد العملية قالي الطبيب الجراح: «عمليتك ناجحة ولكن عليك تجنب ثلاثة أمور لتجنب إخفاق محتمل بنسبة ضئيلة، الأول هو أن لا تحمل أي ثقل يرهق، والثاني أن تمنع أي ضغط ينشأ من داخل البطن، والثالث أن لا تكح أو تسعل أو تعطس» وقد ابتسم وهو يقول: «الواقع أن الأخير مهم وخصوصاً في هذا الوقت بالذات حيث الاعتدال الربيعي الذي ينشط معه الزكام والحساسية الصدرية، فكن حذر أكثر من المعتاد». كنت أترك السرير فترات وأجوب ممرات المستشفى لتحسين الدورة الدموية وإستسراع الشفاء، وخلال جولتي أصادف الكثير ممن يكحون ويعطسون من الزوار والمرافقين، فأحتال بتغطية وجهي أو استجداء كمامة واقية من أقرب ممرضة، وحين وقت الزيارة أحتبس بغرفتي وأقلل طلب معونة الممرضة في أي شأن. خرجت من المستشفى بصحة ووقاية مما كنت أخشاه بحمد الله، وذكرت ذلك لصديق لي متخصص في «الوقاية من العدوى»، وسألته «إن كان فيما فعلت مبالغة، وما مدى خطورة ما يتعرض له المرضى والزائرون من العدوى خلال مجاملات زيارات «عيادة المريض»، قال صديقي وهو خبير سابق في مركز التحكم بالأمراض الأمريكي (CDC) ومستشار حالي في قطاعات صحية في المملكة، «أنتم العرب في شبة الجزيرة العربية على وجه الخصوص لديكم عادات حميمية رائعة ومحفزة للرضا عن النفس، ولكن فيها اقتراب أكثر مما يجب بدنياً بين الأفراد، وإن كان هذا في الحياة المعتادة مثل تقبيل الأنف والوجنة ومس لحية الآخر محكوم بحالات خاصة، إلا أنه خلال عيادة المريض يكون الاقتراب البدني على نحو أشد فتختلط مكونات التنفس بين المريض والزائر، أو قد يبالغ البعض بسقيا المريض من فنجان قد تلوث بلعابه هو دفعاً للحرج من الظن بوجود أثر (للعين)، هذه السلوكيات هي وما يرافقها من تقديم مشروبات ومأكولات جماعية لا تخلو من اختلاط مكونات تنفسية ولعابية بين المريض وزواره، بل أن كثير من الزوار يستخدم دورات مياه مخصصة للمريض بطريقة غير صحية قد تقود لتلوث غير محمود» ثم يردف صديقي «أنتم في السعودية كريمون بالمصافحة دون تحرز وخصوصاً عند زيارة المرضى في المستشفيات وبعد المصافحة بثوانٍ الكل يلمس أنفه أو يجمع شفتيه بإصبعيه أو يمسح لحيته أو يفرك عينه، وهو لا يدرك أنه بهذا العمل ينقل الميكروبات غير الطائرة قريباً جداً من منافذ العدوى»، يردف صديقي «من الصعب تغيير العادات الاجتماعية الخاصة بعيادة المريض، فهي ضاربة في العمق الحسي للمجتمع، لذا أجد أن طلبك للأقرباء والأصدقاء عدم زيارتك في المستشفى، فيه قسوة براجماتية بعض الشيء، وربما يبرر ذلك كون إقامتك في المستشفى كانت وجيزة، ولكن طال بك المقام لما استطعت تنفيذه، فنحن في أمريكا أيضا لدينا ظاهرة عيادة المريض ويحدث خلالها مخالفات صحية وإن كانت بدرجة أقل مما يحدث هنا، إلا أن عيادة المريض لها جوانب نافعة أيضا فهي تحفز الشعور والرغبة في الصحة للمريض». كلام صديقي الخبير أضاء لي ما كنت أجهله، فقد كنت أتحفظ كثير في زيارة المرضى في المستشفيات وأعلل ذلك برغبتي في حماية المريض من عدوى قسرية وكنت أتذمر من وجود عدد كبير من الزوار في المستشفيات وقت الزيارة وخصوصاً الأطفال، وأعتقد أن ذلك ينطوي على إهمال في الصحة العامة، ومع ذلك لازلت أعتقد كما قال صديقي، إن كان ولابد من زيارة حبيب أو قريب أو صديق مريض فليكن ذلك ضمن أطر حماية للمريض وزواره من العدوى، وعلى وزارة الصحة إطلاق حملة إعلامية للتثقيف بوجوب التزام معايير الوقاية من العدوى في كل حين وفي حال (عيادة المريض) بوجه خاص.