الزائر للأماكن المحيطة بمستشفى الصحة النفسية، يشاهد في فترات معينة تواجد مرضى نفسيين في شوارع الطائف في مشهد يندى له الجبين، سواء من خلال الاستحمام في نافورة المياه، أو المكوث على الأرصفة المجاورة للشوارع الرئيسية، معرضين أنفسهم وحياتهم للخطر في ظل تخلي أسرهم والجهات الرقابية عنهم، ما يجعلهم يواجهون مصيرا مجهولا على قارعة الطريق. جولة «عكاظ» في الأحياء القريبة من مستشفى الصحة النفسية بالطائف، رصدت عددا من الحالات لمرضى نفسيين على قارعة الطريق، في الشارع المؤدي إلى طريق الشفا، شارع الستين على مقربة من محلات صالونات الحلاقة وفي شارع شهار. ورصدت «عدسة عكاظ» مريضا بملابس رثة والأتربة تغطي جسده من رأسه إلى أخمص قدميه، يتخذ من حوض النافورة، مكانا للاستحمام بملابسه بلا رقيب ولا حسيب بعد نبذ المجتمع له لغياب عقله ومرضه، معرضا حياته لخطر التماسات الكهربائية أثناء تشغيل النافورة، وبالسؤال عنه لدى صالونات الحلاقة لا يعلمون عنه شيئا سوى أنه مريض نفسي، يطلق ساقيه صباح مساء على الطريق، مؤكدين أن نهايته قد تكون على تحت المركبات المسرعة، متسائلين عن دور أسرته ومستشفى الصحة النفسية في إيواء مثل هذه الحالات، مبينين أنهم دائما ما يشاهدون الكثير من الحالات التي تقتحم صالونات الحلاقة من هؤلاء المرضى من أجل الطعام الذي يفتقدونه ويصعب عليهم الحصول عليه، خصوصا أن صالونات الحلاقة لا يفصلها عن مستشفى الصدرية ومستشفى الصحة النفسية سوى شارع واحد، فتكون فرصة هروب المرضى من المستشفى إلى هذه المحال كبيرة. يشير المواطن محمد العتيبي -من سكان شارع التلفزيون- إلى معاناتهم مع المرضى النفسيين العدائيين، لافتا إلى أن هذه الفئة تتردد على الحي على فترات، وتتسبب في وقوع أضرار على الممتلكات العامة والخاصة، كان أقربها خلال الشهرين الماضيين، حيث صادف حينها وقت صلاة العشاء، وبعد خروجهم من المنزل لأداء الصلاة في المسجد شاهدوا شابا في العقد الثالث من العمر، يقوم بحذف المركبات بالحجارة، ويبدو عليه السرور بمجرد تهشيم الزجاج، وقد تأثرت حينها أكثر من 5 مركبات تعرض زجاجها للكسر، وقد تم إبلاغ الجهات الأمنية التي حضرت وضبطت الشاب، وبمراجعة الشرطة تبين أنه مريض نفسي ومصاب بالإيدز، فضلا عن أن والده طريح الفراش ولا أحد باستطاعته متابعة وضعه الصحي أو الحد من خطورته، فهو يعتبر الوحيد بين عدة أخوات في المنزل ليس في مقدورهن أن يقفن أمامه فيعشن حالة رعب يومية منذ أن يأتي إلى البيت، مطالبا الجهات المختصة بالوقوف على الأحياء سواء من خلال أئمة المساجد أو عمد الأحياء، لانتشال هؤلاء المرضى من الشوارع ومتابعة أسرهم والتي قد لا يستطيع الكثير منهم تحمل أعباء وتبعات مرضاها النفسيين، خاصة عندما يكونوا في حالة عدائية. ومن جانبه، يرى عواض محمد أخصائي اجتماعي بمركز الرعاية النفسية بمستشفى القوات المسلحة بالطائف، أهمية فهم هذه الحاﻻت ما إذا كانت حاﻻت إدمان أو مرض نفسي، مبينا أن العالم مليء بالأمراض النفسية التي انتشرت في هذا العصر، ومنها ما هو وراثي، ومنها ما هو بسبب ظروف الحياة، أو نتيجة إدمان المخدرات، ومنهم من يعتقد أو يوهم نفسه بأنه مصاب بمس، فهؤلاء قد يصبحون قنابل موقوتة في الأحياء، مضيفا أن التعامل مع هذه الحالات في الشوارع يقع على عاتق أسرة المريض، فبعض الأسر تتخلى عن مرضاها لعدم استطاعتها العناية بهم، لافتا إلى أن أسر المرضى بحاجة ماسة جدا إلى دورات تدريبية في طرق التعامل مع المريض النفسي، وعلى الجهات المسؤولة المسارعة في تنفيذ هذه الدورات التثقيفية بالغة التأثير في كيفية التعامل والصبر على هذه الفئة، ما يؤدي إلى انطلاقة ناجحة إذا توفر العلاج السليم، إضافة إلى تهيئة المستشفيات. إلى ذلك أوضح الناطق الإعلامي للشؤون الصحية بمحافظة الطائف سراج الحميدان، أنه لا يمكن كتابة خروج لأي مريض نفسي من مستشفى الصحة النفسية إلا بعد التأكد من سلامته، مضيفا أن البعض منهم يحتاج للعلاج في الوقت المناسب والاندماج في المجتمع، لافتا إلى أن 400 مريض في مستشفى الصحة النفسية كتب لهم خروج إلا إن ذويهم رفضوا استلامهم، وقد تم مخاطبة محافظ الطائف في هذا الشأن، وهم حتى الآن يتلقون الخدمة والرعاية في المستشفى، مرجعا أسباب ذلك للضغط الواقع على المستشفى وعدم وجود أسرة شاغرة في ظل انتظار حالات عديدة خارج المستشفى بحاجة إلى التنويم. وحول المرضى النفسيين المنتشرين في الشوارع، بين الحميدان أنه لا يعلم ما إذا كانوا ممن راجعوا المستشفى أو غير ذلك، مضيفا أنهم قد يكونوا من الذين تلقوا العلاج وخرجوا من المستشفى، ولم يتلقوا الرعاية المطلوبة من ذويهم، وقد يكونوا من المرضى الذين لم يتلقوا العلاج أصلا في المستشفى، مشيرا إلى أن فرقا من صحة الطائف تقوم بزيارات منزلية للمرضى الذين خرجوا من مستشفى الصحة النفسية بقيادة طبيب استشاري، حيث يطلعون على الحالة الصحية للمرضى ومدى استقرارهم، منوها إلى أنه إذا لم يكن هناك استقرار، يتم إعادتهم إلى المستشفى من جديد.