يتجلى في العرب - إلا من رحم ربي - طبع أصيل لا يتركهم ولا يتركونه أبداً، طبع يتبدى باقتدار في ممارساتهم السياسية والاقتصادية والإدارية، تتلخص فحوى هذا الطبع في كلمات هذه الجملة العامية البسيطة: «نِهِدْ ونبدأ من الأول»!. أعْمَلتُ عقلي «المتواضع» في ذاك الطبع المتوارث عبر الأجيال، فخرجت بالنقاط التالية:- (1) لدينا عقيدة بأن قرار البداية من الصفر يمثل أحد وجوه الزعامة الآخاذة للألباب والشهرة، كقصة رُبَّان المركب الذي ذهب فوجد العمال قد جهزوه للإقلاع، فأمر بهدم كل ما جهزوه، فلما فعلوا قال: أعيدوه ثانية كما كان، دون أن يبدي ملاحظة ولا مبرر، فتجرأ أحدهم من فرط الغيظ قائلاً له: ولماذا؟، قال الربان بمنتهى البرود: «لأني الريس»!. (2) نفتقد بشدة إلى التخطيط الاستراتيجي، بعيد المدى، متعدد المراحل، ذلك الذي لا يرتبط بشخص، ولا يقوم برؤية شخص، إذ غالباً ما يخضع تخطيطنا للاجتهاد الشخصي أو الفئوي الذي لا يخلو من الفردية والهوى، وبذلك تتحول المشروعات من مشروعات دولة إلى مشروعات أشخاص، تسقط متى سقطوا!. (3) الإدارة الرأسية الهرمية، هي الطريقة الرسمية المُعتمدة في كل مناحي حياتنا، فالتعليمات تهبط من أعلى لأسفل بطريقة مركزية فجة، بحيث لا يستطيع من هو في المستويات الأدنى أن يتصرف حيال المشكلات الطارئة إلا بتعليمات فوقية، حتى ولو ترتب على ذلك هدر وخسارة، بحجة ليس لدي تعليمات!. (4) فكرة العمل التعاوني التكاملي البنائي، فكرة ندرسها فقط في كتب الإدارة الاقتصادية والفكر السياسي، ولا نجد لها أثراً في الواقع التطبيقي، فالجديد يُسَفِّه أفكار القديم، والرئيس يُحَقِّر أفكار المرؤوس، والإقصاء واستنساخ الأفكار، بل وسرقتها أحياناً، أمر لا تخلو منه مؤسسة!. (5) طريق العودة إلى الصفر لأنه طريق هدم، يكون أسهل بكثير من التقدم إلى الأمام لأنه طريق بناء على ما تم، فلا مانع إذن من الرجوع إلى الوراء انتصاراً للمماطلة والكسل، وإن ألبسنا ذلك ثوب البناء على أسس جديدة وقوية، حتى ولو كان القديم أقوى من الجديد. (6) الرجوع إلى الصفر فيه إنعاشٌ لكل الأنماط الإدارية الموغلة في البيروقراطية التي يعشقها أصحاب «الكروش» الواسعة، فلا طريقة أجدى «للحفِّ» والنهب والسرقة من طرقنا الغريبة في إقامة مشروعات جديدة على أنقاض مشروعات قديمة و «الكل يستفيد»!، أي أن الخراب فيه بحث عن فرص جديدة للثراء المخالف الذي لا يرصده أحد!. هل علمتم لماذا نعشق الأصفار تلو الأصفار؟!.