القلق الدائم وقلة النوم يؤديان إلى الإصابة بالنسيان المفاجئكثرة الاهتمامات اليومية في البيت والعمل والضغوط التي ترافقها تؤدي كلها إلى التوتر والقلق الدائمين، كما تؤثر على جودة النوم ومدته، جميع هذه العوامل تشتت تركيز الدماغ وتتسبب في ضعف الذاكرة والتعرّض مرارا إلى ظاهرة النسيان المفاجئ.العرب [نُشر في 2017/03/13، العدد: 10570، ص(17)]النسيان المفاجئ ليس مقتصرا على كبار السن القاهرة - كثيرا ما يتعرّض الشخص، خلال يومه، إلى نسيان بعض الأشياء سواء الخاصة بالعمل أو بأغراضه وبيته. وأول الأشياء التي تخطر على بال المرء نتيجة النسيان المفاجئ هو إصابته بالزهايمر وفقدان الذاكرة، فتسيطر عليه حالة من الخوف والتوتر والقلق. وكشفت دراسة أميركية حديثة أن النسيان يعد آفة العصر التي يعاني منها غالبية الأشخاص دون التمييز بين شاب أو مسن، حيث أرجع الباحثون السبب إلى اضطرابات النوم، وعدم حصول الفرد على القسط الكافي من الراحة أثناء فترة الليل؛ فالنوم 4 ساعات فقط خلال اليوم يرفع فرص الإصابة بالنسيان واضطرابات الذاكرة. أما النوم لمدة 8 ساعات متواصلة يجعل الفرد يتمتع بذاكرة جيدة. وأكد الأطباء أن إصابة الشخص بالتوتر والقلق الدائمين من الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالنسيان المفاجئ لأنه يعوق القدرة على التركيز في الأحداث والتفاصيل التي تدور من حولنا، مما يؤدي إلى الإصابة بالنسيان. كما وجد الباحثون أنّ الجلوس لفترات طويلة خلال اليوم وعدم ممارسة الرياضة بصورة مستمرة من الأمور التي تسبب ضعف الذاكرة، لذلك ينصح بممارسة الرياضة على الأقل 150 دقيقة أسبوعيا. وقد أثبتت التجارب أنّ هناك بعض الأدوية التي يتم الحصول عليها في حالة الإصابة بالحساسية أو الرشح ومن ضمنها مضادات الهستامين، تتسبب في الإصابة بالنسيان، لأنها تعطل أحد الموصلات العصبية المهمة في المخ واللازمة للذاكرة. كذلك يحدث تناول العقاقير الخاصة بالاكتئاب اضطرابات في الذاكرة. أكد خبراء أن المرأة خلال مرحلة الطمث تصبح أكثر عرضة للنسيان المفاجئ بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث في الجسم، نتيجة انخفاض هرمون الأستروجين. وجدت دراسة أخرى أن الانشغال الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول خلال ساعات طويلة من اليوم تسبب تشتت الذاكرة الذهنية، وتجعل الشخص غير قادر على التركيز، بالإضافة إلى أنّ تناول الأطعمة الجاهزة وشرب الكحول والتدخين والحلويات بجميع أنواعها من ضمن العوامل التي تؤثر في الذاكرة. وحول ذلك يقول د. مدحت ثابت، استشاري المخ والأعصاب بمستشفى القوات المسلحة في القاهرة “لتركيز من أعلى الوظائف المخية وتقل نسبة التركيز في بعض الأحيان نتيجة العديد من الأسباب بعضها يكون نفسيا والبعض الآخر يكون عضويا”، وأشار إلى أن التركيز في أكثر من أمر في وقت واحد يؤدي إلى تشتت الانتباه والنسيان.المرأة خلال مرحلة الطمث تصبح أكثر عرضة للنسيان المفاجئ بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث في الجسم ولفت د.ثابت إلى أنه من ضمن الأسباب العضوية التي تؤدي إلى عدم التركيز والنسيان المفاجئ وجود اضطرابات في السكر والضغط والكبد والهرمونات، فمشاكل المخ مثل ضعف الدورة الدموية والميل إلى الجلطات وتصلب الشرايين ومن الأمراض النفسية الاكتئاب والفصام والاضطرابات المزاجية والقلق والتوتر الشديد؛ كلها عوامل تؤدي إلى فقدان التركيز والنسيان. وأوضح أن هناك بعض العوامل الخارجية التي تؤثر على قوة تركيز الفرد أيضا كالمشاعر والعواطف والانفعالات وحالة الطقس. فيما يوضح د. عبدالهادي مصباح، زميل الأكاديمية الأميركية للمناعة، أن النسيان المفاجئ لم يعد مقتصرا على كبار السن فقط أو المصابين بأمراض الشيخوخة والزهايمر؛ فالكثير منّا يصادف أشخاصا يعرفهم لكنه لا يتذكر أسماءهم مما يسبب له حرجا بالغا. وأكد مصباح أنه لا بد من فهم أن الذاكرة عملية ذهنية معقدة تدخل في تركيبها العديد من العوامل. ومراكز الذاكرة تقع في المخ في منطقة الهيبوكامبس، أو كما تُعرف باسم “فرس البحر”، والتي تتصل بالقشرة المخية والطبقة الخارجية من المادة الرمادية المسؤولة عن الوظائف الخاصة بالمخ. ويشير عبدالهادي إلى أن الذاكرة تنقسم إلى ثلاث مراحل، الأولى تتمثل في تخزين المعلومات بعد استيعابها وفهمها جيدا. المرحلة الثانية تتمثل في تخزين المعلومة والاحتفاظ بها، ثم مراجعتها من أجل تحويلها من الذاكرة المؤقتة إلى الذاكرة الدائمة. أما المرحلة الثالثة فهي تتمثل في الاستدعاء أو الاسترجاع للمعلومة التي تم تخزينها. يُذكر أنّ دراسة أجريت في لندن وجدت أنّ الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من التعليم لديهم معدلات أعلى في الذاكرة وعدم النسيان. وأكد الباحثون أنّ الوضع يختلف ما بين الرجل والمرأة في التذكر، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل السن والدخل والصحة والتوترات التي يتعرض لها الفرد ونوع الطعام الذي يتناوله ووزنه. كما وجدت البحوث أنّ الأشخاص الذين لديهم مستوى تعليمي تقل فرصة إصابتهم بالخرف والنسيان المفاجئ. تقول عالمة النفس الأميركية إليزابث لوفتوس “ذاكرة الإنسان تعمل بشكل مشابه بعض الشيء لموسوعة ويكيبيديا التي يمكنك استدعاؤها وتعديلها ولكن الآخرين يمكنهم ذلك أيضا”. تمثل هذه العبارة نواة أساسية للركائز التي يقوم عليها الكتاب الذي ترجم للألمانية بعنوان “الذاكرة الخداعة، كيف يزيف مخ الإنسان الذكريات؟” تتناول عالمة النفس الكندية جوليا شو في الفصل الأول من كتابها الذكريات المستحيلة للإنسان، وبالتحديد ذكريات تتعلق بسنّ طفولة الإنسان بل وعند مولده. ثم تنتقل شو إلى تفاصيل أخرى من بينها السبب وراء تحدث الإنسان غالبا فقط عن “الأوقات الطيبة” من حياته. يبدو أن الذاكرة تحتوي الذكريات الإيجابية بشكل خاص، ولكن هناك ظاهرة أخرى تلعب دورا في ذلك حيث أظهرت دراسات سابقة أن الإنسان يحتفظ في ذاكرته بشكل جيد بالأحداث التي تقع في سن 10 إلى 30 عاما. كما فسّرت المؤلفة السبب وراء عدم نجاة عباقرة التذكُر أيضا من الذاكرة الخداعة، ولماذا يجب علينا أن نكون يقظين عند تكوين الذكريات. وتمثل الذكريات المستوى الذي نقيّم به قدرات ذاكرتنا نفسها.