×
محافظة المنطقة الشرقية

ماجد عناد: الحظ لم يحالف الصليبخات

صورة الخبر

وجود الأحزاب في دولة ما مؤشر على وجود حياة سياسية جيدة وضمانة للتبادل السلمي للسلطة والمشاركة الفاعلة لأغلب أبناء البلد. وتعد الأحزاب السياسية أساساً مهماً من أسس الديموقراطية. فبقواعدها الجماهيرية وحشدها لها في الانتخابات تأخذ فرصتها في تطبيق مشروعها ما يجعل صدقيتها محل تأكيد وترسيخ لناخبيها. في الساحة العربية يمكن القول إن عقد الثمانينات للدول العربية بالذات هو عقد الحزب الواحد والقائد الأوحد، وأن الأحزاب بتــــنوعها الديني والقومي كانت تمثل تياراً معـــارضاً لتلك الحكومات، وهي بذلك مثلت الأمل الشعبي لقواعدها، من خلال شعارات الدفاع عن حقوق الانسان والتعددية والمطالبة بإيجاد دولة المؤسسات. في نهاية العقد المنصرم سجل الوضع السياسي تحولاً لمصلحة أغلب هذه الأحزاب واستطاع الكثير منها، بطريقة او بأخرى، سواء بتدخل خارجي أم بربيع عربي، الوصول الى السلطة ليبدأ تاريخ جديد وجدي لها في وضع شعاراتها موضع التنفيذ. لم يدم الوضع طويلاً لتلك الأحزاب لتعيش في مرحلة الإحراج بين فشل في إدارة الدولة أو ابتعادها عما كانت تدعو اليه، لتصل الحال الى مرحلة الانشقاقات الداخلية والتشظي السريع واتهامات متبادلة بالسعي للاستحواذ على السلطة او تكريس العائلة وحكم الفرد في تلك الأحزاب. ومن أمثلة هذه التجارب، العراق وحركة الأحزاب فيه بعد 2003، و «الإخوان» في مصر، وحركة «النهضة» في تونس. إن المؤشر على أغلب الأحزاب العربية في شكل عام هو: - غياب ثقافة الديموقراطية الحقيقية في داخلها وعدم قناعتها الفعلية بشعار سلمية تداول السلطة. - نموها في بيئة المعارضة المسلحة والتنظيمات السرية لأغلبها وبقاء هذه الذهنية في طبيعة تعاملاتها، حتى بعد فوزها بالسلطة. - استنكارها لحكم الفرد والعائلة فيما تمارس هي ذلك في شكل مقيت ومكثف. - استفحال ظاهرة الصقور والحمائم فيها الى درجة التمايز الطبقي. - تخوف أغلبها من أي معارضة، حتى ولو كانت ضمن الأطر القانونية التي كانت هي تطالب بها في زمن الحكم الشمولي. - انشغالها بالمصالح الحزبية والاستيلاء على السلطة، تصوراً منها أن ذلك هو المنجز الذي تقدمه لجمهورها. - سيطرة فريق معين على قرارها وعدم السماح لدماء جديدة وشابة من خارج مقربيها بالدخول الى حلقة صنع القرار في إطار استراتيجية بناء حزب ذي رؤى استراتيجية. - عدم قراءتها منظومة العالم الجديدة، من رفض العسكرة والتفرد وسياسة المشاركة التي باتت تؤمن بها دول عظمى وتطبقها مع ألد أعدائها. إلا أن أهم سبب رئيس في إخفاق أغلب تلك الأحزاب في تحقيقها طموحات شعوبها هو انها لم تتطور، لا على مستوى الفكر ولا على مستوى النظرة الى تحول المجتمعات، اذ بقيت جامدة على مستوى أداء واحد منذ تأسيسها في زمن الوضع السري ومقارعة الحكم الشمولي الى زمن تسنمها السلطة، ثم أن أهم أسباب التأزم الأخرى في البلدان يحدث عندما تفقد الشعوب الثقة بمن في الحكم وهذا يعني فقدان أهم جسور التواصل والتفاهم. لهذه الأسباب وغيرها تعاني الأحزاب الشرق أوسطية عموماً من كهولة مخيفة قد تؤدي بها الى موت سريري، وركنها باتجاه «الهامشية السياسية» او «التطرف السياسي المشاغب». اذا كان وجود الأحزاب ضرورة للتعددية وللحياة الديموقراطية فإن فشلها او اندثارها يشكل طريقاً سهلاً لعودة الديكتاتورية او حكم العائلة، اي المربع الذي سبب دمار المنطقة برمتها، لذا فإن الأحزاب في وضع مراجعة سريعة لأدائها وتركيبتها، فهي ليست ملكاً لأشخاص او مجموعة بل هي نتاج تضحيات أجيال متعاقبة وأفكار علماء ودماء ودموع شعوب مقهورة ولا بد من تحملها هذه المسؤولية. ومن هنا لا بد من وضع مراجعات سريعة لواقعها الذي يتمثل في: 1- مراجعة سريعة وصريحة وشجاعة لأدائها وبنيتها بعد تسلمها السلطة. 2- إلغاء مبدأ القيادة للفرد او العائلة او المجموعة وتجسيدها وبواقعية لتداول السطلة السلمي في داخلها كي تنجح في تطبيقه خارجها. 3- إبعادها الشخصيات المشبوهة وعدم تبنيها أي شخصية ذات تاريخ سيء وعدم الدفاع عنها. 4- الانفتاح على المعارضة والاستماع لها واحتواؤها كي لا تنتج حركات مسلحة تعيدنا الى أعوام الانقلابات. 5- تكريس ثقافة تصفير المشكلات وإثارتها والابتعاد عن روح العدائية ونشر ثقافة التسامح كمبدأ للجميع. 6- عدم الانشغال بالمصالح الاقتصادية لأفراد الحزب على حساب مصلحة المجتمع والدولة او استغلالها لذلك. 7- تثبيت مبدأ «القانون فوق الجميع» واستقلالية القضاء من أجل ترسيخ عدالة مجتمعية تطمئن الفقراء بوجود حامٍ حقيقي لهم. 8- شفافية تمويلها وعدم وجود تضخم في أموالها وممتلكاتها في شكل غير معقول وفي زمن قصير، مع الاحتفاظ بحقها في ممارسة الاقتصاد ضمن أطره القانونية والرسمية والمصلحة العليا. 9- تركيزها على بسطاء الناس والمعوزين منهم وتحسين أوضاعهم في استراتيجية بناء دولتها لا التعكز على مترفي القوم وكبارهم في سعي الأحزاب لتركيز سلطتها. 10- التزامها بشعاراتها السابقة في زمن المعارضة وعدم الانسلاخ عنها لتثـــبت صـــدقيــتها، وهذا يتم ببقائها ضمن طبقات الشعب المختلفة وبالقرب منهم وعدم السكن في قصور عاجية والنزول للناخب في فترة الاقتراع. 11- الخروج من حالة التحجر الطائفي أو المذهبي أو الديني والتحرك نحو مساحة أوسع هي مساحة الوطنية والانسانية كبرنامج استراتيجي لبناء الإنسان والأوطان لا برنامج انتخابي ينتهي في صندوق الاقتراع. 12- الصدقية مع مواطنيها في كل الأحوال لكسب ثقتهم. إن فرصة ممارسة الديموقراطية في بلداننا العربية والشرق أوسطية هي فرص محدودة، ولعل الوضع الحالي للأحزاب يشكل مساحة جيدة لتثبيت هذه الحياة التعددية، أما إذا لم تلتفت الأحزاب الى الأخطاء التي ارتكبتها وما نتج منها، على رغم قصر مدة حكمها، فإننا قد نواجه مطالبات واسعة على مساحة البلدان تطالب بعودة الديكتاتورية، لأنها قد تعد، من وجهة نظر الشعوب، أقل مصيبة من الفوضى او الديكتاتوريات. * (مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية)