×
محافظة الباحة

“العمل والتنمية الاجتماعية” تلزم منشأة صحية في بلجرشي بدفع أجور عمالتها المتأخرة وتوقف عنها كافة الخدمات

صورة الخبر

د. نسيم الخوري يمكن اختصار واقعنا العربي، ونحن نتأهب بانتظار القمة العربية في الأردن، بأننا من أكثر الشعوب التي أرهقها سقوطها المأساوي بين زلزالين: السقوط في الدم، والسقوط في فجوة الخطى الدبلوماسية الدولية والإقليمية الضائعة والتي بات محللوها ينظرون ويكتبون عنا وكأننا الرجل المريض بدلاً من تركيا. ومن هناك، أعني من القمة، يفترض أن يبرز الجواب أو غباره وغبار ما تختزنه الشعوب العربية والإسلامية من ملامح يرتجي الجميع أن تشي بضرورات الاستقرار، لأن ما يجمع العرب اليوم هو صرخة واحدة تقول: كفى. هناك حاجة خارقة للوعي إلى أن منهجيات الحوار وأوراق التفاوض حول قضايا العرب ومصائر دولهم وشعوبهم تبدو وكأنها تدور وتحصر في مثلثات إقليمية ودولية فارغة استهلاكية، لا علاقة لها مباشرة أو جديدة بلغة العرب ولهجاتهم وثقافاتهم ومستقبلهم أو مشاركتهم في صناعة مستقبلهم. نعم، الحوار حول مستقبل العرب عبر سوريا والعراق وليبيا واليمن يدور بين دول كبرى وإقليمية لا تتكلم العربية لكنها تفرز مثلثات يمكن نسجها وتركيبها بين إيران وتركيا وروسيا وأمريكا وغيرها في جنيف والأستانة والعواصم الكثيرة التي لم يكن العرب يسمعون بها منذ فلسطين في جرحها الأول. لم يعد يظهر لنا في المشهد، أي ملمح من ملامح النظام الإقليمي ولا حتى الدولي الجديد. تبدو كلها مغمورة نفوسا ودولاً مسكونة بالصراعات المذهبية والطائفية الممثلة بالتنظيمات الكثيرة التي تبذر في أرجاء الأرض والعقول الرعب من الإسلام السياسي و«فوبيا» الأسلمة والعرب والعروبة، بما يجعل أي لقاء عربي جامع نوعاً من اليقظة العربية الجديدة لملامح النظام العربي الذي قد يبدأ بعودة العرب إلى العرب... وكفى.لماذا؟ لأن أضلاع المثلثات لم ولن تتساوى أضلاعها فوق مواقدنا، وفي رأسهما الضلعان العظيمان في الحضور الدولي لم ولن يتساويا وأعني بهما روسيا وأمريكا. لن يتساويا قطعاً في زمنٍ قريب وفي ظلال ثورة الهويات ومنظومات الفوضى المستوردة، وانهيار هياكل القيم في العلاقات الدولية، وتشظي المشاعر والأحلام والنصوص والخطب بين الأمة والدولة والأقليات المشحونة العابرة والتي تأخذ نوعاً من حرب باردة واسعة الآفاق بين العرب وإيران. هذا المناخ العام غياب واضح لمفهوم الدولة الوطنية القائدة في الأرجاء، وظهور الكثير من الدول في العالم المتأهبة فقط لإعادة الإعمار ومحو بشاعة الخرائب مع أننا مطالبون بدءاً من القمة المقبلة، بالتفكير الجدي ووضع الاستراتيجيات في إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي العام والقيمي والتربوي والإعلامي..الخ. ومطالبون بكلمتين بالحد من مسألتين تهددان المستقبل العربي: الهجرة والنزوح نحو الغرب أي خارج رقعة العرب والإسلام والهجرة والنزوح المعاكس الحزين والشرس نحو الإسلام والتهديد به وتبديد قيمه بما يجوف الدول ويسهل التقسيم، ويخرب العالم إن تذكرنا أن 63 بالمئة من العرب هم من الشرائح الشبابية. سؤال بمستوى القمة: هل إمكانات الحلول السلمية معقولة ومقبولة في المعضلات العربية؟ قبل الجواب، يمكن التذكير، وفقاً لقاموس «الثورات العربية»، إن مظاهرة شعبية «فيس بوكية» واحدة كانت قادرة في لحظةٍ ما على إسقاط نظام الحكم في بلد عربي، لكن أطنان القذائف والضحايا في بلدٍ آخر قد دمرته لكنها لم تتمكن منه،لأن دول العالم والإقليم تداخلت فوق رقعته وكان من الطبيعي أن تورث الأهوال والخرائب التي تراكمت كلها فجة فوق طاولة دولية لم يفصل خشبها بعد، وهي ستمثل خرائبها على طاولة القمة المنتظرة، لتعكس مجدداً المشهد الحقيقي للفوضى الخلاقة التي تجعلني، مثلاً، أهشم هذه الطاولة أمامي التي أكتب مقالتي فوقها وفقاً لمقولة أرسطو، وعندما أهم بجمع حطامها لرميها في كيس القمامة، تلمع برأسي فكرة إعادة تركيبها ذات يوم، فأشقعها في الزاوية حتى يحين وقتها، فأجعلها إطاراً جميلاً للوحةٍ فنية، أو كرسياً أرتاح فوقها. المهم والمنتظر أن يبدأ التفريق بين وقت العرب والمسلمين ووقت العالم. هناك اختلافات في التوقيت وفي النظرة والمبادرة، إذا ما نظرنا بدم بارد إلى بلادنا تتقلب فوق رقع من الجمر وآمنا بأن هناك إمكانات جدية بالحلول السلمية لا بتبادل وتركيب المثلثات وترك أوطاننا خطوط تماس دولية تتجاوز الحلول الجذرية. لم تكن أمريكا قد حسمت مدى رغبتها بروسيا بعد سقوط البرجين وحلول عصر الإرهاب، مع أن بوتين وقف معها ضد الإرهاب وتأمين الأمن في أوروبا والعالم، لكنها اليوم، وعلى لسان ترامب، تبرز استحالة التصدي لمتاعب الشرق الأوسط من دون حوار بناء مع روسيا وغيرها. هكذا نفهم ولع بوتين بسوريا كنقطة الجذب العظيمة وهو يلوح بعلاقة مفتاح مجلس الأمن الذي دفع هنري كيسنجر إلى نشر مقال في «الواشنطن بوست» بعنوان «التدخل في سوريا يهدد النظام العالمي»، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.نحن نتمسك بحوار جامعٍ عربي في كنف جامعة الدول العربية الملمح الواقف من النظام الإقليمي العربي، كي لا نبقى مساحات دولية مشرعة على المفاوضات الطويلة والجنوح إلى الحلول السلمية والرقص في حقول الدماء. قد تكون الخرائب مرغوبة بعد لإنضاج التسويات الدولية، يترك الشرق الأوسط فيه منبعاً «للإرهاب» ويستمر معها تحريك الفصائل المتعثرة في تجارب الحكم الإسلامي وفق شروط وتقاطعات أولها احترام التسويات المعقودة مع «إسرائيل»، وثانيها الإمعان في إقلاق طهران من دون الانزلاق إلى حروب مذهبية، وثالثها دغدغة تركيا مجدداً للاتكاء على قدرتها في تحريك 34 بقعة إخوانية نائمة في الشرق الأقصى، بما يبقي أوطاننا في مرمى صراخ المجتمعات المدنية وتظاهراتها التي يقطعها منطق الاغتيال والإلغاء من وقت إلى آخر، وفقاً لحاجات التفاوض الدولي.