×
محافظة المنطقة الشرقية

لعنة الشعبوية تهدد هولندا وارتفاع أسهم المتطرف فيلدرز يقلق الاتحاد الأوروبي

صورة الخبر

ديفيد أدر كان يقف وسط نهر نورث بلات في وايومينج، محاولا الحصول على سمكة سلمون بألوان قوس قزح كانت قد علقت بصنارته، عندما رن هاتفه برسالة تفيد بأنه فاز للتو في تصويت يتوّجه كبيرا لمحللي السندات الحكومية في أمريكا للعام الحادي عشر على التوالي. لكن للأسف كان عاطلا عن العمل في ذلك الوقت. صاحب عمله السابق، شركة وساطة مالية في نيويورك متوسطة الحجم تُسمى "سي آر تي كابيتال"، اضطرت إلى إغلاق أبوابها قبل أسابيع فقط من فوز أدر بلقب المستثمر المؤسسي المرموق، مع صديقه منذ فترة طويلة، إيان لينجين في تشرين الأول (أكتوبر). هذا بالطبع خفف من إحساسهما بالنصر. خسر مختصا الاستراتيجية وظيفتيهما بسبب متاعب شركة سي آر تي، لكن الإغلاق كان مؤشرا على التحديات الأوسع التي تُعانيها صناعة أبحاث الاستثمار. رسالة البريد الإلكتروني الوداعية لأدر قالت مازحة "إنه إذا سأله أي أحد عن كيفية جني المال من عملهم مرة أخرى، فإنه سيعود إلى معاقرة الخمر بدلاً من القلق بشأن الوظيفة التالية – هذا إن وجد وظيفة أخرى أصلا". سرعان ما وجد مختصا الاستراتيجية وظيفة جديدة، لكن النكتة كانت دلالة على إحباط واسع وعميق في صناعة الأبحاث. يقول أدر "مُصطلح جني المال يبرز في كل الأوقات. من الصعب أن تجد نفسك مضطرا دائماً إلى تبرير وجودك. التغييرات التي رأيتها في الصناعة مُحبطة ومُخيبة للآمال. لم تعد ممتعة كما كانت في السابق". على مدى عقود، المصارف وشركات الوساطة المالية شكلت جيوشا من المحللين لحل شيفرات خطابات المصارف المركزية، وإجراء تحليل دقيق للأجزاء الداخلية من سوق السندات، وغربلة الميزانيات العمومية، وتخمين إلى أين تتجه أسعار النحاس أو الليرة التركية. كانت الأبحاث بمنزلةة عملية تسويق خارجي، إضافة إلى كونها مواد خام للمتداولين الذين يعملون لحساب المصرف نفسه، وكان أفضل المحللين يُعاملون مثل نجوم الروك في الصناعة المالية، لكن أبحاث الاستثمار تواجه أزمة الآن. المصارف تتعرض للضغط لتقليص التكاليف، ومع أن تكلفة المحلل أقل من المتداول النجم أو صانع صفقات الدمج والاستحواذ، إلا أن مساهمته في الأرباح أكثر وضوحا. التنظيمات الأكثر صرامة التي فُرضت بعد أزمة الدوت كوم في عام 2000 قلّصت قدرتها على حشد الأعمال مباشرة. والعدد الهائل من اقتصاديي "جانب البيع"، والمحللين، ومختصي الاستراتيجية، يعني أن كثيرا من العمل مُكرر ولا يُقرأ، خاصة لأن كثيرا من شركات إدارة الأصول "من جانب الشراء" تبني الآن فِرق الأبحاث الداخلية الخاصة بها. قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة، المُقرر أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2018، تُجبر مديري الأصول على الدفع مباشرة مقابل الأبحاث، بدلاً من القيام بذلك خلسة من خلال دفع العمل إلى المصارف التي يحبون محلليها. ومع أن هذا يؤثر فقط في أوروبا، إلا أن معظم المشاركين يتوقعون أن يكون له تأثير جانبي كبير في صناعة الأبحاث العالمية. "بي سي آيه"، وهي مجموعة تحليل مستقلة، تُقدّر أن الإنفاق على أبحاث الاستثمار العالمية يبلغ تقريبا 16 مليار دولار سنويا، لكن هذا من المتوقع أن يتقلّص بشكل كبير في الأعوام المقبلة. استطلاع للرأي أُجري أخيرا لشركات إدارة الأصول من قِبل شركة الاستشارات "كوينلان آند أسوشيتس" أشار إلى أنها تعتزم خفض ميزانيات الأبحاث فيها بنسبة 30 في المائة. ستكون التخفيضات أكبر في أوروبا، لكن ما من منطقة أخرى في العالم ستكون بمنأى عنها. هذه القوى دفعت صناعة أبحاث الاستثمار إلى نقاش مماثل لذلك النقاش المستعر حاليا في وسائل الإعلام: كيفية إضافة القيمة، وكيفية الحصول على الاهتمام، وكيفية كسب المال مقابل المحتوى. القيام بالأمر بطريقة صحيحة مهم، لأن الأبحاث لا تزال جزءا مهما من الأسواق العالمية والاقتصاد الحقيقي، من خلال المساعدة في توجيه رأس المال إلى حيث يكون أكثر فعالية. لكن حتى مع انتقال ناجح إلى أنموذج أكثر توجّها للتكنولوجيا ومدفوعا من البيانات الكبيرة، هناك تقليص واسع النطاق يبدو لا مفر منه. وبحسب شركة كوليشن لتزويد البيانات، عدد المحللين في أكبر 12 مصرفا انخفض بالفعل 10 في المائة منذ عام 2012 إلى 5981 في عام 2016. والأسوأ قادم، كما يتوقع هنري كوفمان، أول مختص اقتصاد يحصل على لقب "دكتور دوم" لتنبؤه بشكل صحيح في السبعينيات، بأن أسعار الفائدة سترتفع بشكل كبير لتسحق التضخم. فهو الآن يقول محذرا "سيكون هناك تقليص للأعداد. لن تكون عملية تعديل سهلة". مفعول "كوداك" في عام 2013، بشار الريحاني، الرئيس التنفيذي لشركة بي سي آيه للأبحاث في كندا، جمع كل فريقه من المحللين والتنفيذيين في فندق أومني في وسط مدينة مونتريال. جنباً إلى جنب مع مجموعة من الضيوف من مختصي التكنولوجيا وعلماء البيانات، حاولوا رسم مستقبل جديد للأعمال. "بي سي آيه" واحدة من أقدم وأكبر مجموعات أبحاث الاستثمار المستقلة التي لا تتبع لمصرف كبير أو شركة وساطة مالية، إلى جانب أمثال شركة لومبارد ستريت للأبحاث في المملكة المتحدة، و"إيفركور آي إس آي" في وول ستريت، و"جافيكال" في هونج كونج. لكن الريحاني لا يشعر بالراحة بشأن المستقبل في هذا الوقت الذي ينتشر فيه الجيشان في الصناعة. يقول عن الشركة التي فشلت في إدراك تأثير التصوير الرقمي في أعمالها، حتى فات الأوان "لا أريد أن ينتهي بي الأمر مثل كوداك". بالتالي هو يعمل على تحويل "بي سي آيه" إلى شيء أقرب إلى شركات النشر الرقمية الراقية، بالابتعاد عن توزيع تقارير طويلة وثابتة عن طريق البريد الإلكتروني والاستعاضة عن ذلك بتشجيع العملاء على زيارة موقع إلكتروني جذاب يُحلل الأبحاث إلى مكونات فردية. يقول بريجيش مالكان، الذي يقود مشروع "بي سي آيه إيدج"، "نحن نقسم التقارير إلى كُتل ليجو فردية، حتى يتمكن الناس من الحصول على ما يُريدون، وبناءه بالطريقة التي تُناسب نمط استهلاكهم". حتى الآن كان هذا ناجحا، مع استهلاك العملاء المتجولين ما يصل إلى 20-30 في المائة من أبحاث شركة بي سي آي. "بي سي آي" ليست وحدها في محاولة رسم مستقبل أكثر رقمية. تقريباً كل مصرف استثماري يُدرج الآن "الكوكيز" التي تُراقب الطريقة التي يُفتح بها عديد من رسائل البريد الإلكتروني، وعدد ملفات "بي دي إف" التي يتم تنزيلها، ومقدار ما يُقرأ فعلاً من التقرير. كثير من الشركات يدفع العملاء إلى موقعه الإلكتروني من أجل مراقبة أفضل ولتشجيع مزيد من المشاركة، من خلال العناوين الرئيسية الجذابة. حتى لأن بعضها يدرج أزرار "إعجاب" على غرار وسائل الإعلام الاجتماعية. وعلى الرغم من الموجة الأخيرة من تخفيضات وظائف المحللين، إلا أن شركات إدارة الأصول لا تزال تواجه كما هائلا من تقارير الأبحاث التي تصل إلى بريدها الإلكتروني كل يوم. بنجامين كوينلان، الرئيس التنفيذي لشركة كوينلان آند أسوشيتس، يُقدّر أنه حتى مع استبعاد شركات الأبحاث المتخصصة المستقلة، فإن المصارف وشركات الوساطة المالية تُرسل ما يزيد على 40 ألف مقالة أسبوعياً. لكن حجم الأبحاث المُستهلكة فعلاً منخفض بشكل كئيب، ويقدر بعض المُطّلعين في الصناعة أن ما يراوح بين 2 في المائة و5 في المائة فقط من جميع التقارير المُنتجة تُقرأ فعلاً. خوان لويس بيريز، رئيس الأبحاث العالمية في "يو بي إس"، يُلقي باللوم في ذلك على افتقار الصناعة للابتكار، مُجادلاً بأن النهج الأساسي لم يتغير كثيراً في القرن الماضي. يقول "إذا عرضت عليك تقريرا من العشرينيات واليوم ستشعر بالدهشة من مدى تطابقهما". إنهاء العلاقات الحميمة تقول بعض شركات إدارة الأموال "إنها لم تعُد تهتم بالأبحاث، لكنها تهتم أكثر بالوصول إلى التنفيذيين في الشركات والمسؤولين في البلاد التي يُغطيها المحللون". الأتعاب غالباً ما تكون مرتبطة بعدد الاجتماعات التي يستطيع المحللون ترتيبها، لكن هذا يُشجعهم على تخفيف التقارير للحفاظ على علاقتهم بالشركات. المنظمون يستنكرون هذا الوضع. في العام الماضي انتقدت لجنة الأوراق المالية والبورصات أحد محللي "دويتشه بانك السابقين" لإعطائه تقييما "بالشراء" على أسهم متاجر "بيج لوتس" لا لشيء إلا للحفاظ على علاقته بالشركة. ويُجادل كبار المحللين بأن الصناعة سيكون عليها التطور إلى أبعد من كونها خدمة إشراف مُبجّلة. بيريز، الذي تمت سرقته من "مورجان ستانلي" في عام 2013، أصلح الطريقة التي ينتج بها "يو بي إس" الأبحاث، بتعيينه علماء بيانات، ومُبرمجي أجهزة كمبيوتر، وحتى علماء نفس لإدارة "مختبر الأدلة" والعمل جنباً إلى جنب مع متخصصي الصناعة، للإجابة عن استفسارات العملاء بشأن الأبحاث المُقدمة إلى المصرف السويسري. التقارير تفاعلية، بالتالي يستطيع العملاء وضع الافتراضات الخاصة بهم للمتغيرات، مثل النمو الاقتصادي، أو المبيعات الصغيرة للشركة. يقول بيريز "سيكون على الأبحاث الوصول إلى مستوى أعلى. المستقبل سيكون دمج البيانات الكبيرة، والأبحاث الإحصائية الراقية، والتحليل التقليدي". وبلغ الأمر أن عددا من المصارف يعمل على المحللين "الافتراضيين"، وهي برمجيات متطورة تعمل بأسلوب الذكاء الاصطناعي، مثل تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية التي يُمكن أن تؤدي إلى أتمتة كثير من المهمات الأقل أهمية وفي النهاية جعل المحللين من المستويات الأدنى فئة عفا عليهم الزمن. لكن حتى مع مزيد من الابتكار، اقتصاديات أبحاث جانب البيع تبقى صعبة. تاريخياً شركات إدارة الأموال كانت تكافئ المصارف وشركات الوساطة المالية بخصوص الأبحاث التي تُحبها، من خلال أعمال التداول التي غالباً ما تأتي مع عمولات ضخمة. في هذه الأيام الأسواق الإلكترونية، إلى جانب المتطلبات التنظيمية من شركات إدارة الأصول للسعي الدائم إلى أفضل تنفيذ ممكن، أدت إلى إنهاك هذا النهج "المُجمّع". يقول أدر "كبار المتداولين هم الخوارزميات هذه الأيام. لقد أصبح عالماً على غرار "أمازون" حيث بإمكانك شراء الأسهم أو السندات بشكل إلكتروني. هذا أمر رائع بالنسبة إلى العملاء، لكنه تغيير كبير جداً بالنسبة إلى أعمال الأبحاث". بدائل أمام المستثمرين التطوّر نحو الأبحاث المنفصلة من عمولات التداول سيتسارع بسبب مجموعة من التشريعات الواردة من الاتحاد الأوروبي، Mifid II. القانون الثاني المعروف باسم "التوجيه الخاص بالأسواق في الأدوات المالية" سيجبر المجموعات الاستثمارية على فصل الدفعات عن الأبحاث، إما بتغطية التكلفة بأنفسها أو تحميلها بشكل علني على العملاء. وبسبب صعوبة فصل العمليات الأوروبية عن الأعمال العالمية بالنسبة إلى شركات إدارة الأصول، فإن بعض شركات إدارة الاستثمار من الناحية العملية ستُطبّق المعايير في كافة عملياتها. شركات إدارة الأصول تتعرض للضغط أيضاً من شركات الإدارة السلبية، مثل شركات تعقب المؤشرات والصناديق التي يتم تداولها في البورصة. في العام الماضي أكثر من مليار دولار يومياً تدفقت من شركات الإدارة النشطة إلى الصناديق السلبية، الأمر الذي زاد الحوافز بالنسبة إلى المجموعات الاستثمارية لتخفيض التكاليف. شركات الأبحاث المتخصصة المستقلة ستكون المستفيد من قواعد Mifid II، لأنها ستكون قادرة على المنافسة بشكل مباشر أكثر مع المصارف من أجل أموال الشركات الاستثمارية. لكن الجمع بين خفض التكاليف والتنظيمات يدفع كثيرا من المجموعات الاستثمارية إلى بناء فِرق التحليل الداخلية الخاصة بها. استجابة للقواعد الجديدة، 38 في المائة من شركات إدارة الصناديق التي استطلعتها شركة إلكترونيك ريسيرتش إنترشينج قالت "إنها ستوسع فِرق الأبحاث الداخلية فيها بدلاً من الاعتماد على محللي جانب البيع التقليديين". وكثير من الشركات الاستثمارية الأكبر بدأت ذلك بالفعل. يقول ديفيد هانت، الرئيس التنفيذي لـ "بي جي إي إم"، وهي شركة تدير تريليون دولار من الأصول، تابعة لـ "برودينشيال"، "شعرنا بالحاجة إلى بناء القدرة الخاصة بنا بسبب تضاؤل نوعية الأبحاث من جانب البيع. لقد كان تحوّلاً كبيراً. وتكبّدنا كثيرا من التكاليف، لكن صافي نسبة الاستثمار جيدة. نوعية معلوماتنا ارتفعت". على الرغم من التعليقات الرعناء أحياناً بخصوص قيمة محللي جانب البيع، إلا أن معظم المستثمرين سيظلون بحاجة إلى الأبحاث في المستقبل. لكن كيف ستبدو، من سيُنتجها، وكيف ستُوزع، أمور من غير المرجح أن تتغير بشكل كبير. بعد إغلاق "سي آر تي" سرعان ما تسلم أدر وظيفة كبير مختصي الاستراتيجية الكلية في مجموعة الأبحاث "إنفورما فاينانشيال إنتيليجانس"، لكنه ليس متفائلاً بمستقبل صناعته. يقول "دائما ما تكون أحلك ساعات الليل قبل الفجر مباشرة، لذلك ربما نستطيع العودة. لكن طبيعة التحليل (...) ربما تتغير إلى الأبد. ستصبح قائمة على الكمبيوتر بصورة متزايدة باستمرار. وستكون هناك دائما حاجة لدى البشر إلى النظر إلى الصورة الكبيرة وتفسير الأسواق، لكنها ستكون بالتأكيد محدودة أكثر في المستقبل".Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: روبن ويجلزويرث من لندنpublication date: السبت, مارس 11, 2017 - 03:00