تأخذ فوضى دمشق اليوم بعض فنانيها إلى محاكاة ما يجري في سورية عبر أشكال فنية تماثل الحرب والفوضى الناجمة عنها. وفي هذا السياق، قدّم جهاد سعد- مؤلفاً ومخرجاً- عرضه المسرحي «هستيريا»، على خشبة مسرح سعد الله ونوس، كمشروع تخرّج طلاب السنة الرابعة في قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية. يحتوي عنوان «هستيريا» الكثير من المعاني المتناقضة، مما يتيح للعمل القائم تحت هذا الاسم أن يشمل مجموعة مختلفة من الأشكال التعبيرية. ولكن على رغم امتداد حدود العنوان، يستلزم العمل الفني وضع أطر تحيل تلك المتناقضات وطرق الأداء المختلفة إلى كلٍّ فنيٍّ يحوي بداخله ما تناثر، ويخلق بينها ترابط يعبر عن أفكار القائمين عليه. هذه الوحدة العضوية هي ما تغيب عن عرض «هستيريا»، بحيث تحوّل العرض في تصويره للفوضى التي تعج بها البلاد، إلى جزء منها، فكان بذلك تشتتاً يضيع فيه المعنى، وتغيب فيه مقدرات الممثلين الأدائية، وتعجز شظاياه عن استثارة حالة انفعالية لدى المشاهد في غمرة ضياع النص وتشتت أشكال العرض. اتجه سعد في عرضه نحو تقديم شكل مختلف (وليس جديداً) في العرض المسرحي. وهنا تغيب الحكاية ليحلّ مكانها نص مفتت تلفع بعباءة «هستيريا». يخرج فيه الممثلون إلى فضاء مسرحي عارٍ إلا من ساتر حربي وضع في منتصف المسرح، وبيانو في العمق. قدموا مونولوغات وديالوغات كوميدية وتراجيدية على وقع موسيقى حية وضعها سعد على طرفي الخشبة. يغيب الرابط بين طرفي العرض الكوميدي والتراجيدي، بحيث يتم الانتقال بين المونولوغات والشخصيات فجأة وبالتتالي. يكسر الكوميدي التراجيدي ومن ثم يعود الأخير وهكذا دواليك. بيد أن الانتقال هذا يأتي من دون ربط، فتخلق هذه الانتقالات المتكررة حالة من التشتت لدى المتلقي. ظلّت المونولوغات التراجيدية في المسرحية حبيسة الحنين والتباكي، والهروب من محاكاة الوضع السياسي الراهن إلى التفكّك وتغييب المعنى. بينما يقوم الكوميدي في العرض على استخدام اللغة في الإضحاك. فيستخدم النص لهجات مختلفة كالحلبية والمصرية بهدف الإضحاك من دون أي مبرّر درامي لاستخدامها. وهو يقترب بذلك من المسرح التجاري، الذي يسعى إلى وضع الألعاب اللغوية كأداة لإثارة الضحك. يطرح العرض أيضاً قضية المثليين للإضحاك فقط، متجنباً محاكاتها كقضية اجتماعية ملحة. سعى العرض إلى تقديم شكل مختلف في الأداء عبر التركيز على طاقات الممثل الجسدية، تمثلت بالحركة السريعة على الخشبة، والرقص. وكما عجز النص عن تقديم فكرة واضحة متماسكة، عجز سعد عن محاكاة شكل الأداء هذا، المقترن بمسرح الفرنسي أنطونان آرتو «مسرح القسوة». وعلى رغم استخدام «هيستيريا» جسد الممثل كعِماد العمل المسرحي الأول، ظلّ العرض قاصراً عن التأثير على المتفرج الذي دعا إليه أرتو، وبالتالي من الوصول به إلى التطهير بالمفهوم الأرتوي. وقف ممثلو هيستيريا عند حدود الصراخ غير المبرر، عاجزين عن الوصول إلى تحرير كامل للجسد. هكذاعجز المشاهد عن التمييز بين أداء طالبٍ وآخر، في مشروع يفترض أن هدفه الأساسي هو إظهار مواهب الطلبة. شمل التشتت الشخصيات التي جاءت مبتورة، لا اسم لها، ولا صفات عامة، إلا ما تعبر عنه مونولوغات ساهم بناؤها المختل في زيادة الضبابية حولها، وحول تاريخها الذي أتى بها إلى الخشبة. لم يصرح سعد أنه يعمل على منهج أرتو أو غرتوفسكي، لكنّ ما حصل على الخشبة، كان صوراً مشوهة وسطحية لمناهج الأداء هذه. فغياب الكلمات والوحدة العضوية وتشظي المسرحية يعني أن يتحول العرض بكليته إلى طقس يحرّض المتلقي ويخلق لديه حالة شعورية معينة، لا إلى ضياع يتوه بالمشاهد كما حصل في «هستيريا». مسرحية التشظي السوري