تخللت أسابيع دونالد ترامب الأولى في سدة الرئاسة تدابير جذرية هدفت إلى منع المهاجرين واللاجئين من دخول الولايات المتحدة: منع الرئيس مؤقتاً مواطني سبع دول إسلامية من السفر إلى بلده، وعلّق وصول اللاجئين كلهم، وأوقف برنامج استقبال اللاجئين السوريين. كذلك أمر ببناء جدار على الحدود الأميركية- المكسيكية بغية الحدّ من تدفّق اللاجئين غير الشرعيين من الجنوب، حسبما يُفترض. يجب ألا تشكّل هذه التدابير مفاجأة لأي منا، بما أن أوامر الرئيس الجديد التنفيذية تتماشى تماماً مع خطابه خلال الحملة الرئاسية، إذ شكّل الغضب تجاه المهاجرين والخوف من الإسلام المتطرف جزءاً كبيراً من الرواية التي أوصلته إلى سدة الحكم. وتوقع مناصروه اتخاذه خطوات حاسمة لمعالجة هذه المخاطر المزعومة. تعمّد السياسيون الأوروبيون، الذين سارعوا إلى انتقاد تدابير دونالد ترامب غير الليبرالية، تجاهل أن حكومات أوروبية كثيرة تبنّت أيضاً المزيد من السياسات التقييدية بشأن الهجرة واللجوء في الأشهر الأخيرة. في أوروبا كما في الولايات المتحدة، تحوِّل المجموعات الشعبوية اليمينية المهاجرين واللاجئين إلى كبش محرقة وتحمّلهم مسؤولية كل علة في المجتمع. وتلقى هذه المطالبة الشعبوية، بردع المهاجرين عموماً ورفض مجيء المسلمين خصوصاً إلى أوروبا، أصداء إيجابية بين شرائح متنامية من المجتمع. وفي هذا الجو الذي يزداد سمية، يتفاقم خطاب الكراهية والاعتداءات ضدّ المهاجرين. إذا تواصلت الموجة الراهنة، فربما تحذو أوروبا حذو ترامب وتتبع خطه المناهض للهجرة. ولكن في مجتمع الهجرة الأكثر نجاحاً في العالم، من المرجح أن تخرج سياسات الرئيس الأميركي مؤقتاً عن مسارها، فالولايات المتحدة تحقّق نجاحاً أشمل في دمج المهاجرين وتتمتّع بقدرة أوسع على التحكّم في مَن يدخلون إلى أراضيها. أما في أوروبا، فيشكّل الخوف من الغرباء والمسلمين خطراً أكبر، ربما يؤدي إلى زعزعة مجتمعات تضمّ أساساً مجموعات كبيرة من الأقليات أخفقت في الاندماج كاملاً. فضلاً عن ذلك، سيعوق هذا الخوف الجهود الرامية إلى نشر الاستقرار في محيط أوروبا كثيرة الاضطرابات. ومن الممكن أيضاً أن يهدّد استمرارية الاتحاد الأوروبي. بروز المخاوف مجدداً تُظهر الدراسات النفسية أن عدم الثقة في الأجانب شعور متأصل عميقاً في الوعي الإنساني. تُعتبر حماية هوية المجموعة أو القبيلة، وأرضها، ومصالحها بإبعاد الأجانب أمراً منطقياً من الناحية التطورية. ولكن فيما ازدادت المجتمعات تطوراً وانفتاحاً على مرّ التاريخ، تراجع رفض الغرباء تدريجياً. إلا أن التقدّم نحو تسامح أكبر مع المهاجرين اصطدم غالباً بعودة إلى الخوف من الغرباء والعنف. رغم ذلك، انتشرت أفكار عصر التنوير عن أن البشر كلهم، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم، يتمتّعون بحقوق وحريات، حول العالم لتُعتمد أخيراً كقانون عالمي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لكن هذه المسألة تحوّلت راهناً إلى تحدٍّ على جانبي الأطلسي. في الولايات المتحدة، يصوّر الرئيس الجديد المهاجرين عموماً والمسلمين خصوصاً كخطر كبير يهدّد المجتمع الأميركي. وفي أوروبا، تأمل الأحزاب اليمينية الشعبوية ببناء حصن أوروبي وإقفال مداخله. ولكن ثمة اختلافات بارزة بين السياسات المناهضة للهجرة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أنها تحمل أيضاً أوجه شبه لافتة. كذلك نلاحظ علاقة متبادلة قوية بين ما يحدث في الولايات المتحدة وبين ما تشهده أوروبا. لما كانت الولايات المتحدة أمة كلاسيكية تقوم على الهجرة، فإنها تضمّ عدداً أكبر من المهاجرين الذين ولدوا خارج البلد (%13.1 من السكان)، مقارنة بالدول الأوروبية (%10.4 كمعدل). جاءت الهجرة الأميركية على موجات عدة، وتميزت الأخيرة منها، التي بدأت عام 1965، بتنامي عدد المهاجرين من أميركا اللاتينية وآسيا. ومنذ عام 1990، دخل أكثر من مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة سنوياً. ولما كانت بلد مهاجرين، فإنها تحقّق عموماً نجاحاً أكبر في دمج الوافدين الجدد، مقارنة بالأمم الأوروبية. وينطبق ذلك خصوصاً على نحو 3.2 ملايين مسلم ينتمون في مجال الوظائف، والتعليم، والتكيّف الثقافي، إلى أكثر المجتمعات نجاحاً في الولايات المتحدة. تشكّل الجغرافيا عاملاً حاسماً في تحديد تدفق المهاجرين. نظراً إلى حدودها البرية المحدودة وبعدها عن مهاجري القوارب (باستثناء القادمين من كوبا وهايتي)، تتمتّع الولايات المتحدة بسيطرة أكبر على مَن يدخل إلى أراضيها، مقارنة بمعظم الدول الأخرى. طوال سنوات، ركّزت سياسة الهجرة الأميركية في المقام الأول على الهجرة غير الشرعية الضخمة عبر حدودها الطويلة مع المكسيك. ويشكّل مشروع ترامب لبناء جدار على هذه الحدود رمزاً للرغبة القديمة في إنهاء هذا التدفق ووسيلة عالية الكلفة وغير منطقية بالكامل لتحقيق ذلك في آن. لطالما كانت أوروبا مصدّراً صافياً للناس. بين عامَي 1820 و1914، هاجر أكثر من 50 مليون أوروبي إلى الولايات المتحدة، وكندا، وأميركا الجنوبية. لذلك تُعتبر الهجرة الضخمة إلى أوروبا ظاهرة جديدة نسبياً. بدءاً من خمسينيات القرن الماضي، فككت القوى الاستعمارية الأوروبية إمبراطورياتها واستقبلت خلال هذه العملية أعداداً كبيرة من مستعمراتها السابقة. أما دول أوروبا الوسطى والشمالية، التي ما كانت تملك مستعمرات، فاستقدمت عمالاً لمصانعها. ولكن عندما انتهت مرحلة النمو الاقتصادي السريع في مطلع سبعينيات القرن الماضي، لجأت حكومات أوروبية كثيرة إلى سياسات مقيِّدة في مجال الهجرة، غير أن هذه العملية لم تكن متوازنة مع إبقاء دول ما بعد الاستعمار، كبلجيكا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، حدودها مفتوحة فترة أطول، مقارنةً بالدول الأوروبية الأخرى. إلا أن الوقائع تُظهر أن المصالح الاقتصادية، ولمّ شمل العائلات، والبطء الإداري، اجتمعت معاً لتسهّل استمرارية الهجرة بأعداد كبيرة في أنحاء أوروبا كلها. علاوة على ذلك، يجعل موقع أوروبا الجغرافي عملية ضبط الهجرة أكثر صعوبة، مقارنة بالولايات المتحدة. لمنطقة شنغن في الاتحاد الأوروبي، التي تلغي الحاجة إلى جوازات سفر، حدود خارجية برية تقارب الثمانية آلاف كيلومتر، فضلاً عن حدود بحرية شاسعة. صحيح أن الدول الأوروبية تحاول التحكم في مَن يدخلون إلى أراضيها من خلال سياسات تأشيرات الدخول الصارمة، والعقوبات المفروضة على خطوط الطيران، وبناء سياج في أجزاء من حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية، والتدابير المتخذة بالتعاون مع دول العبور، إلا أن الروابط الاقتصادية الوثيقة التي تجمعها بالمناطق المجاورة والاختلاف الكبير بينهما، سواء من ناحية عدد السكان أو الدخل، فضلاً عن تنامي تجارة تهريب الناس، لكنها أمور تحول دون بلوغها مستوى ضبط الحدود الذي تحظى به الولايات المتحدة. يتجلى هذا الاختلاف أيضاً في تأثير تدفق اللاجئين غير المتوازي. في عام 2015، تلقى الاتحاد الأوروبي أكثر من 1.3 مليون لاجئ، دخل معظمهم أراضي الاتحاد بطريقة غير مشروعة. في المقابل، وصل معظم اللاجئين إلى الولايات المتحدة من خلال برامج إعادة التوطين مباشرة من مناطق المنشأ (69933 لاجئاً في عام 2015). أما عدد مَن مُنحوا اللجوء بعد دخولهم الأراضي الأميركية فأصغر بكثير (25199 لاجئاً عام 2013). مواقف لطالما كان الرأي العام في شأن الهجرة منقسماً بحدة في الولايات المتحدة، ما أعاق عمليات الإصلاح الجدية للتشريعات في هذا المجال طوال سنوات. يشير مسح أجراه عام 2015 مركز بيو للبحوث أن %51 من الأميركيين يرون أن المهاجرين يدعمون البلد بفضل مواهبهم وعملهم الدؤوب، في حين يعتقد %41 أنهم يشكّلون عبئاً. في المقابل، تشير دراسات مماثلة في أوروبا إلى اختلاف بين الموقف من الهجرة من دول أوروبية أخرى وبين النظرة إلى الهجرة من خارج الاتحاد. يعتبر %61 من الأوروبيين الهجرة داخل دول الاتحاد الأوروبي إيجابية، في مقابل %33 صنّفوها سلبية، علماً بأن هذه النظرة السلبية سادت خصوصاً في قبرص، والجمهورية التشيكية، وإيطاليا، ولاتفيا. أما الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي، فاعتبرها %56 من الأوروبيين المشاركين سلبية، مقارنة بنحو %37 صنّفوها إيجابية. وتركّزت النظرة الإيجابية خصوصاً في السويد وإسبانيا. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الأوروبيون الهجرة من الدول الإسلامية بالتحديد مثار جدل. على سبيل المثال، تُظهر دراسة أجراها أخيراً «معهد تشاثام هاوس» في 10 دول في الاتحاد الأوروبي أن %55 من المشاركين أيدوا فكرة وقف هذا النوع من الهجرة، و%22 رفضوها، و%25 اختاروا الحياد. يترافق هذا الموقف العدائي تجاه المسلمين مع مبالغة في تقدير أعداد المسلمين المقيمين راهناً في الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء. يُقدَّر عدد المسلمين الفعلي بنحو 3.3 ملايين في الولايات المتحدة و13 مليوناً في الاتحاد الأوروبي. لكنّ استطلاعاً للرأي أجرته شركةIpsos MORI في شهر سبتمبر عام 2016 يكشف أن الشعب الفرنسي يعتقد أن عدد المسلمين أكبر بنحو أربعة أضعاف من الرقم الفعلي، في حين يبالغ مواطنو المملكة المتحدة في تقدير عددهم بنحو ثلاثة أضعاف. على نحو مماثل، يظنّ الناس في الولايات المتحدة أن المسلمين يشكّلون %15 من السكان، في حين أن نسبتهم %1. في الولايات المتحدة، يُعتبر الموقف السلبي من المسلمين إلى حد كبير من مخلفات اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية وحروب أفغانستان والعراق. أما في أوروبا، فتشكّل وجهات النظر هذه في جزء منها رد فعل تجاه وصول أعداد كبيرة من اللاجئين فجأة إلى هذه القارة بين عامَي 2015 و2016. وكان لهذا التدفق الضخم والمفاجئ، إلى جانب تفاقم الإرهاب الإسلامي المتطرف، تأثير مزعزِع بالكامل في حالة أوروبا النفسية الجماعية. طغت هاتان المسألتان على وسائل الإعلام التقليدي والتواصل الاجتماعي، فضلاً عن الخطاب السياسي. في البداية، كان المزاج الشعبي منقسماً بين ثقافة الترحيب التي تجلّت من خلال مشاركة المجتمع المدني في دعم اللاجئين من جهة والمخاوف بشأن الأمن واستغلال الخدمات الاجتماعية من جهة أخرى. إلا أن هذا المزاج ما لبث أن اتخذ منحى سلبياً. نتيجة لذلك، برز الرابط بين الهجرة والأمن بوضوح في خطاب الولايات المتحدة منذ اعتداءات 11 سبتمبر، وقاد إلى قواعد متشددة بشأن تأشيرات الدخول والهجرة، حتى أن ترامب في حملته ألقى مسؤولية الجريمة، والمخدرات، والإرهاب على عاتق المهاجرين من دون أن يقدّم أدلة. وفي ظل غياب الأدلة في الولايات المتحدة، يعتمد خطاب ترامب المناهض للمسلمين، الذي بلغ ذروته في إحدى المراحل مع تعهد بمنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة، على حوادث وقعت في أوروبا. وفي دول الاتحاد الأوروبي أيضاً، كان منفذو معظم الاعتداءات الإرهابية الأخيرة مواطنين أوروبيين. بلاد الشنغن لا شك في أن واقع أن الولايات المتحدة دولة بخلاف الاتحاد الأوروبي يؤدي إلى أوجه اختلاف أساسية في التعاطي مع قضايا الهجرة واللجوء. صحيح أن الانقسام السياسي والعقبات المؤسساتية تعرقل عملية صنع السياسات الأميركية، ولكن ثمة مسؤولية فدرالية واضحة تتعاطى مع هذه المسألة. في المقابل، كشفت أزمة اللاجئين بين عامَي 2015 و2016 مدى هشاشة ترتيبات الاتحاد الأوروبي، إذ عاد تحت وطأة الأزمة بعض الدول الأعضاء إلى التعاطي مع هذا التحدي بخطوات وطنية، كفرض ضوابط على الحدود أو بناء سياج، ما أدى إلى تعليق جزئي لنظام شنغن. ولكن بعد تخطيه انقساماته الأولى، اتفق الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف على مدى إلحاح أولوية الحدّ من أعداد الوافدين. قادت هذه الخطوة إلى إقفال طريق الهجرة غرب البلقان، واتفاق مارس عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن الحد من تدفق اللاجئين من تركيا إلى اليونان، وعدد من الخطوات الأخرى التي عزّزت السيطرة على حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية. حلقات مفرغة صحيح أن الولايات المتحدة ستستمر بعد سياسات ترامب بشأن الهجرة والمسلمين، ولكن من الضروري ألا نقلل من شأن التداعيات السلبية المترتبة على وصول شعبوي إلى البيت الأبيض. سيعاني مَن طُردوا أو استُبعدوا ظلماً كبيراً، فضلاً عن أن انقسام المجتمع الأميركي سيزداد سوءاً قبل أن يبدأ بالتحسن. ولكن كما يُظهر قرار المحكمة الذي أوقف تطبيق قرار ترامب التنفيذي، ثمة قيود وضوابط. كذلك ترفض مدن كثيرة التقيّد بسياسات الترحيل الجديدة. ويتمتع المجتمع المدني النشط بقدرة عالية على المقاومة، كذلك يستطيع النظام السياسي الأميركي تصحيح ذاته. لكن الأهم من ذلك أن الهجرة تشكّل جزءاً لا يتجزأ من هوية المجتمع الأميركي. ويسهّل اقتصاد الولايات المتحدة، ونظامها التعليمي، وحركة تنقل سكانها العالية اندماج الوافدين الجدد بنجاح. بالإضافة إلى ذلك، تمنح الجغرافيا السلطات الأميركية سيطرة أكبر على مَن يدخل ومَن يخرج. في المقابل، تفتقر أوروبا إلى عناصر المقاومة هذه، ما يجعلها أكثر عرضة لتأثير الحملات الشعبوية المناهضة للهجرة المدمّر. يُعتبر الاقتصاد الأوروبي أقل ديناميكية من الاقتصاد الأميركي. كذلك، يصعب على أوروبا، بسبب دول الرفاه المكلفة والمعقدة فيها وسوق العمل الصلبة نسبياً، امتصاص معدلات عالية من الهجرة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو المجتمع الأوروبي، الذي يشيخ بسرعة أكبر، أكثر رفضاً للتغيير وخوفاً من خسارة الاستقرار الذي اعتاده. ولا شك في أن هذا كله يعوق اندماج الوافدين الجدد اجتماعياً، وأدى راهناً إلى ظهور مجموعات كبيرة من المهاجرين المحرومين اقتصادياً والمهمشين سياسياً الذين يعيشون على هامش التيارات الرئيسة الاجتماعية والثقافية. للتعويض عن هذا التراجع السكاني، تحتاج أوروبا إلى الهجرة. ولكن بالنظر إلى العقبات المفصّلة أعلاه، على الدول الأوروبية اتباع سياسات أكثر فاعلية وطموحاً، إذا أرادت النجاح. نتيجة لذلك، يلزم أن يحتلّ تطوير مقاربة أكثر شمولية إلى إدارة مسؤولية الهجرة والحرص على اندماج الوافدين الجدد بنجاح أعلى قائمة أولويات الحكومات الأوروبية. إلا أن ضغوط أزمة 2016-2015 قوّت الحركات الشعبوية اليمينية، ما دفع بدوره سياسيي خط الوسط نحو سياسات مناهضة للهجرة. ولكن مع تفاقم التوجه القومي بين الحكومات وتراجع الوحدة بين الدول الأعضاء، يزداد العمل الجماعي على مستوى الاتحاد الأوروبي (العنصر الرئيس في إدارة الهجرة الناجحة) صعوبة. لكن منع قدوم المزيد من الوافدين إلى أوروبا وإرجاع مَن أتوا بطريقة غير مشروعة يشكلان راهناً الأولوية الفعلية الوحيدة على ما يبدو في دول أعضاء كثيرة. ولكن من الملحّ أن تركّز أوروبا على المساهمة في إعادة الاستقرار إلى جوارها المضطرب. وتتطلّب خطوة مماثلة دبلوماسية نشطة، واستثماراً اقتصادياً ضخماً، واستعداداً لخوض شراكة حقيقية. من الممكن أن يتحوّل خطر انتشار المشاعر المناهضة للهجرة الكبير بسهولة إلى واقع ملموس. يولّد مَن يدّعون أن المسلمين والأفارقة لا مكان لهم في أوروبا ومن يحمّلون المهاجرين مسؤولية الهجرة والإرهاب جواً اجتماعياً وسياسياً يحول دون اندماج المهاجرين المقيمين راهناً في أوروبا. ومن المؤكد أن المواقف السلبية هذه من السكان غير الأصليين تساهم في تهميشهم، وتفصلهم عن مجتمعاتهم المضيفة، وتؤدي إلى تطرف عدد منهم. كسر الحلقة المفرغة يجب ألا يُعتبر حشد القوى ضد هذه الميول قبل فوات الأوان مجرد مصدر قلق إنساني، بل ضرورة ملحة للدفاع عن مجتمع محترم ومنفتح. لذلك على القادة السياسيين الأوروبيين أن يتقبلوا التعددية الإثنية والدينية في أوروبا. ويلزم أن يرفضوا بحزم خطابات الكراهية ومظاهر العداء تجاه المهاجرين واللاجئين. كذلك ينبغي أن تقرّ الحكومات الأوروبية أن المجتمعات الأوروبية، بخلاف الولايات المتحدة وكندا، لا تتمتّع بتركيبة طبيعية تسهّل الهجرة. نتيجة لذلك، يتطلّب نجاحها مشاركة حكومية أكثر فاعليةً، واستثماراً كبيراً في قطاعي التعليم والتدريب. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تقاوم النخب السياسية الميول الراهنة إلى «العودة إلى القومية». في هذا السياق، تُعتبر سياسة «الولايات المتحدة أولاً»، التي يتبعها ترامب، متهورة. ولا شك في أن سياسة بلجيكا أو فرنسا أو ألمانيا أولاً لن تقل عنها تهوراً. من المرجح أن تحتلّ الهجرة مكانة بارزة في أجندة الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة. فلا يشكّل أي تحدٍّ آخر مخاطر مماثلة تهدّد استمرارية الديمقراطيات الأوروبية الليبرالية والاندماج الأوروبي. ولكن إذا أُديرت بفاعلية، تقدّم الهجرة أيضاً فرصاً كبيرة لإنجاح أوروبا المنفتحة والديناميكية في العالم المعولم. لا شك في أن المخاطر لم تكن يوماً كبيرة إلى هذا الحد.