إعداد: محمد هاني عطوي في العقد الماضي، أشارت الدلائل التي كشفت عنها المركبات المدارية «أوربيتر»، وتلك التي حطت عليه «لاندر»، أن الكوكب الأحمر المريخ، مثل الأرض، يمر حالياً بفترة تغير مناخي سريع، وما هو أكثر من ذلك، ويبدو واضحاً أيضاً، أن المريخ يخضع لدورات مناخية على المدى الطويل، قد تجعله كوكباً مضيافاً، بشكل أكبر مع الزمن.منذ فترة طويلة فهم علماء الفلك من خلال الأرصاد التي أجريت على الأرض، أن للمريخ دورة مناخية معقدة على المدى القصير، وتبدو واضحة للعيان من الأرض، خلال تزايد وانحسار الغطاء الجليدي القطبي المكون من جليد ثاني أكسيد الكربون، الذي يتبخر في الربيع، ويتراكم في الخريف، ومع محور يميل أكثر قليلاً عن محور الأرض، نجد أن المريخ يعرف دورة المواسم المألوفة من خلال دورة حول الشمس، تستغرق 687 يوماً من أيام الأرض، لكن مداره بيضاوي الشكل، يتراوح طوله بين 207 ملايين، و249 مليون كم من الشمس، مما يجعل هناك فرقاً واضحاً بين الفصول، في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي. تغيرات موسميةفي نصف الكرة الشمالي، نجد أن التغيرات الموسمية تتقلص، لأن المريخ يكون أقرب إلى الشمس خلال فصل الشتاء، وأبعد عنها في الصيف، وفي الجنوب، نجد أن المواسم تزداد وضوحاً، لأن المريخ يكون أقرب إلى الشمس في الصيف، وأبعد عنها في فصل الشتاء، بالإضافة إلى ذلك، فإن المسافة التي تفصله عن الشمس، لها تأثير احتراري يميل إلى إثارة العواصف الترابية الهائلة، وقت حدوث الحضيض «أقرب نقطة إلى الشمس»، بحيث إن رمال المريخ الناعمة، تخزن في الغلاف الجوي العلوي، لتبقى كذلك عدة أسابيع، ويكون لها فيما بعد، تأثير احتراري على الكوكب.ولكن على الرغم من هذه التغيرات التي تحدث على المدى القصير، بتنا نعلم الآن أن المريخ يمر أيضاً بتغير مناخي على المدى البعيد، ففي العام 2001، وجه علماء وكالة ناسا الكاميرات الموجودة على متن المسبار الفضائي «مارس جلوبال سرفايفر»، نحو جزء من الغطاء الجليدي للقطب الجنوبي، الذي كان قد تم تصويره سابقاً، ولاحظ هؤلاء وجود مجموعة حفر صغيرة في جليد ثاني أكسيد الكربون الدائم، والتي بدت وكأنها باقية حتى مع مجيء وذهاب الصقيع الشديد في فصل الشتاء، والحقيقة أن ما قاله العلماء كان بمثابة المفاجأة : فالحفر الآن قد توسعت واندمجت مع بعضها، ما يشير إلى أن مساحة كبيرة من جليد المريخ قد اختفت متبخرة في الغلاف الجوي. كانت هذه الملاحظة أول إشارة إلى أن المريخ، يمر بفترة احتباس حراري سريع ، وقد جاء الإثبات على ذلك في العام 2007 ، عندما كشفت مقارنة بين قياس لدرجات الحرارة أخذها المسبار «فايكنغ أوربتور»، خلال السبعينات «1970»، مع تلك التي قيست بواسطة مسابر حديثة على المريخ، أن الكوكب الأحمر اليوم أكثر دفئاً ب 0.5 درجة مئوية، مما كان عليه قبل ثلاثة عقود ، وأنه إذا استمر هذا الارتفاع في درجة الحرارة، فإنّ المريخ قد يفقد الغطاء القطبي الجنوبي بشكل كامل، ولكن ما الذي يدفع هذا التغير المناخي على سطح المريخ، وإلى أي مدى يمكن أن يصل ؟ دورات التغيريعتقد علماء الفلك أن التغيرات الدورية الطويلة، التي تحدث في مناخ المريخ، يعود سببها في جزء منها إلى الاختلافات في مدار الكوكب، التي تسمى بدورات «ميلانكوفيتش- Milankovic»، نسبة إلى الجيوفيزيائي الصربي «ميلوتين ميلانكوفيتش»، الذي اكتشفها في أوائل القرن العشرين، حين كان يبحث عن دليل لشرح الدورات الظاهرية خلال الفترة الأخيرة الخاصة بمناخ الأرض، وتحدث حينها عن ثلاثة تغيرات رئيسية في مدار الأرض: «مبادرة الاعتدالين»، التي تتسبب في تغير تجاه محور ميلان الكوكب، خلال سنة 25.800 سنة، وحدوث تباطؤ في تذبذب درجة الميل المحوري «التي تؤثر في قسوة المواسم»، وحدوث «انثناء» بطيء في شكل مدار الأرض بأكمله، ويذكر أن التغير المطرد والدوري في زاوية ميل محور دوران الأرض، بالنسبة إلى مستوى مدار الأرض حول الشمس، هي في تراوح مستمر ما بين 21.8ْ و23.44ْ، وطول فترة التراوح الدورية هذه ربما تمتد إلى 40 ألف سنة، ومقدار زاوية الميل حالياً بحدود 23.44 درجة، وهي في حالة تناقص نحو حدها الأدنى، بمقدار 0.00013 درجة سنوياً، وعندما يصل ميل محور الأرض إلى أعلى ما يمكن، يصبح الفارق بين حرارة الصيف والشتاء على أشده، ولآلية «ميلانكوفيتش»، تأثير فقط على التوزع الفصلي والجغرافي للأشعة الشمسية فوق سطح الأرض، مع بقاء الكميات السنوية ثابتة، ففائض في فصل، يعوض بنقص في فصل آخر، وفائض في منطقة جغرافية، يقابله نقص في منطقة أخرى.ولحسن الحظ بالنسبة لنا، فإن آثار هذه الدورات على الأرض، يبدو صغيراً نسبياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى الوجود المنتظم للقمر، ولكن على الرغم من ذلك، فإن التغييرات الصغيرة التي تحدثها هذه الدورات بالنسبة لكمية وتوزيع الحرارة القادمة من الشمس على كوكبنا، يمكن أن يكون لها تأثير ملحوظ على المناخ، عند وجود عوامل أخرى، تضع الأرض في حالة ضعيفة.وبالعودة إلى سطح المريخ، نجد أن «تأثير ميلانكوفيتش»، له أثر أكبر، مما هو عليه الحال على الأرض، فمدار المريخ، يمكن أن ينثني بين دائرة شبه تامة، والقطع الناقص الحالي الملحوظ. وكما ذكر سابقاً، فالعلاقة بين مدار الكوكب والميل المحوري، تتجه نحو زيادة تأثير التغير الموسمي للفصول في أحد نصفي كرته، ليتقلص في النصف الآخر، وبما أن المريخ يمر بدورة مبادرة الاعتدالين، كل 175 ألف سنة، فإن هذا الوضع سينعكس، بينما ستعمل دورات اختلاف المركز التي تحدث بين كل 100 سنة و2.2 مليون سنة، على جعل مدار الكوكب دائري بشكل تدريجي، وأخيراً، سيتغير الميل المحوري للكوكب بين حوالي 15 درجة، و35 درجة، في دورة قدرها 124000 سنة، ولذلك، فإن الفصول ستكون أكثر تطرفاً بكثير، مما هي عليه اليوم. آليات ارتجاعيةوالحقيقة أن دورات «ميلانكوفيتش»، هي أحد العوامل المهمة التي تؤثر في تغير مناخ المريخ، ولكن الوضع يتعقد أيضاً من خلال «آليات ارتجاعية» طبيعية، بمعنى أن التغير في عنصر واحد في النظام المناخي للمريخ، ينتج عنه تأثير معزز، أو مضاد للتغير الأصلي ، فعلى سبيل المثال ، نجد أن جليد ثاني أكسيد الكربون المتبخر في القطب الجنوبي، سيعمل على زيادة سمك الغلاف الجوي، ويزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري على المريخ، وبالتالي سيخزن المزيد من الحرارة الشمسية، ويزيد من حرارة الكوكب الحالية، وتبعاً لذلك، سيؤدي هذا إلى هبوب رياح عالية، وتأجيج العواصف الترابية، التي سوف تزيد من ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة مفعول الاحترار على الكوكب. مصدر غامض ثمة آليات لردود فعل محتملة، يمكن أن تأتي من مصدر غامض، يسميه العلماء مصدر غاز الميثان المريخي، ففي العام 2009، أعلن فريق علمي يرأسه «مايكل موما»، من مركز جودارد لرحلات الفضاء، التابع لناسا عن نتائج سنوات عدة من الأرصاد الدقيقة، باستخدام تلسكوب الأشعة تحت الحمراء، التابع لوكالة ناسا، وتلسكوب «كيك» الموجود في جبل «مونا كيا»، في «هاواي»، فقد اكتشف الفريق العلمي أن أعمدة ضخمة من غاز الميثان، تنبعث خلال فصلي الربيع والصيف، وهي على ما يبدو صادرة من مناطق غنية بالجليد ، تقع تحت تربة المريخ . ولوحظ أن واحدة من هذه الانفجارات المنبعثة من غاز الميثان ، تقدر ب 19 ألف طن من الغاز، والتي هي أكثر تأثيراً، كغاز دفيئة من ثاني أكسيد الكربون، وإذا كانت الآلية التي تطلق غاز الميثان في جو المريخ، تستجيب بشكل إيجابي لارتفاع درجات الحرارة، فمن المرجح أن يؤدي ازدياد انبعاث غاز الميثان في المستقبل، إلى زيادة ظاهرة الاحترار العام على الكوكب ، وفي نهاية المطاف ، وبناء على دورات «ميلانكوفيتش»، التي على ما يبدو لا مفر منها، سيحدث انعكاس في تغير مناخ المريخ، وسوف يميل الكوكب تدريجياً إلى الدخول في عصر جليدي عميق.