كان المذياع رفيقاً مقرّباً للناس سنوات طويلة، يستقون منه تطورات الأحداث والمعلومات، ويطرحون فيه ما يشغلهم من أفكار ومطالب، من دون أن تغيب التسلية. ويعتبر المتخصصون في مجال الإعلام أن الإذاعة تشكّل المحك الحقيقي لاختبار قدرات المذيع وإمكاناته، لأنها تخاطب حاسة السمع وحدها، ما يتطلب قدرة على جذب اهتمام المستمع بالمضمون والفكر وخامة الصوت. وتظهر دلالة ذلك في أن أبرز المذيعين التلفزيونيين في العالم انطلقوا من الإذاعة. في السعودية 6 إذاعات خاصة على موجات «إف إم»، وبعد أن كان الاحتكار من نصيب إذاعة «إم بي سي إف إم» منذ عام 1994 حتى 2010، أطلّت إذاعات أخرى توقّع كثيرون أنها ستحقّق التنوّع المطلوب الذي يتناسب مع أفكار الأفراد وتوجهاتهم، إلا أنها اقتصرت على برامج التسلية والترفيه، مستهدفة الربح المادي بالدرجة الأولى. وتصف مديرة إذاعة «بانوراما إف إم» هدى ياسين، بعض البرامج الإذاعية بـ «المُزعجة»، معتبرة أن فئة المذيعين غير المميزين من حيث الوعي والثقافة يصعّب عليهم الاستمرار في هذا المجال. وتقول في حديث لـ «الحياة»: «ثمة بعض الإذاعات تقدّم مادة جيدة ومميزة، وفي المقابل هناك برامج لا داعي لوجودها، كونها غير ممتعة، فالإذاعة برأيي هي للترفيه والتسلية، والقدرة على تحقيق ذلك تعدّ إنجازاً. ونسعى عبر برامجنا في بانوراما إلى تقديم كل جديد، بناء على الدارسات التي تجريها لنا شركات عالمية متخصصة». وعن محاولة جذب الجمهور بالاتصال وإرسال الرسائل، توضح ياسين أن الدراسات تؤكد رغبة معظم الجمهور المستهدف في المشاركة في البرامج عن طريق الاتصال أو إرسال الرسائل، ما يجعل الإذاعة تهتم بتوفير هذا الجانب. ويحمّل المذيع في إذاعة «روتانا إف إم» أحمد الحامد، وزارة الثقافة والإعلام مسؤولية مستوى الإذاعات الجديدة التي تعتمد غالباً على الترفيه، متسائلاً: «إذا كانت قيمة تصريح الإذاعة تصل إلى 18 مليون دولار، فكيف سيعوّض بعض مُلاك الإذاعات هذا المبلغ إذا لم يقدَّم محتوى رخيص؟». ويضيف: «وجود الإذاعات من حق المجتمع، فتوافر الخيارات المتنوعة أمر مهم، لكن للأسف وزارة الثقافة والإعلام لم تتعامل مع هذا الأمر كما ينبغي، فالتصريح الإذاعي هنا يكاد يكون الأغلى عالمياً، ما يدفع بعض الإذاعات إلى تقديم محتوى غير مكلف». ويرى الحامد أن ثمة مذيعين ومذيعات ليسوا على مستوى عالٍ من المهنية، معتبراً أن بعضهم لا يفرّقون بين البساطة والمهنية. وتعتبر المذيعة في «إم بي سي إف إم» غادة العلي، أن الإذاعات لا تملك مذيعاً متمكناً في الوقت الراهن، بل تجد أن عدداً من العاملين في هذا المجال يمثّلون الفئة «المُتصنّعة والمقلّدة». وتلفت إلى أن «هناك اختلافاً بين إذاعات AM وFM، فالأولى تتوجه إلى المضمون الجاد بينما الثانية ترفيهية». وتضيف: «الإذاعات الناشئة لا تزال بعيدة من المنافـسة كـونها لم تُكمل رسم خطواتها الأولى ولم تثبت وجـودها بعد. أما إذاعـة إم بـي سـي إف إم، فقـــد سعت إلى تـحقــيــق التوازن بين الاتجـاهَين الجدّي والترفيهي». وتقول مديرة البرامج في إذاعة «يو إف إم» ياسمين المحمد: «أساءت بعض الإذاعات التعامل مع المستمع بسعيها إلى الربح المادي في صورة تتجاوز الرسالة الإعلامية اللازمة». وتضيف: «استطاعت إذاعات إف إم المحلية جذب فئات مختلفة من المستمعين عبر عدد من البرامج الترفيهية والثقافية والإخبارية والفنية، إلا أن عدداً منها لا يزال يفتقد الرسالة الإعلامية الهادفة التي تقدّم خدمة للمستمع. ولكن بشكل عام يجد المستمع اليوم أمامه خيارات مختلفة تتيح له انتقاء الموجة التي تحترم عقله وتُشبع فكره وتعزّز ثقافته، ومن هنا ينطلق التنافس بين الإذاعات التي تسعى إلى الحفاظ على مستمعيها بتحقيق التوازن بين الفائدة والتسلية». وتوضح أن معايير اختيار المذيع لم تعد هي نفسها المعايير الصارمة التي كانت تُتبع سابقاً، فيما تجد أن العمل الإعلامي الناجح هو الذي يخاطب كل الفئات. إذاعات سعودية