النسخة: الورقية - دولي يرد اسم جماعة «الإخوان المسلمين» في معظم أعمال العنف التي تشهدها مصر، وتعتقل السلطات أعضاء أو أنصاراً لها على نحو يومي، وتشهد المحاكم المصرية مقاضاة متهمين من قيادييها أو مقربين منها. ويتعرض التنظيم الدولي وفروعه في بلدان عربية، خصوصاً خليجية، لاتهامات بالسعي إلى قلب أنظمة الحكم وبالإعداد لأعمال عنف. وازدادت وتائر تورط «الإخوان» في مثل هذه التهم الجنائية بالترابط مع التطورات في مصر حيث يعتقد بأن قيادة الجماعة فيها هي نفسها قيادة التنظيم الدولي. إلى حد وصل الأمر إلى إعلان رسمي بريطاني بتحقيق في أوضاع «الإخوان المسلمين» في المملكة المتحدة لتقويم مدى تلاؤم سياسة هذا التنظيم مع القوانين البريطانية. أي أن ما حاولت الجماعة إظهاره كأنه استهداف واستضعاف لها ولأعضائها نتيجة لدورها القيادي في «الربيع العربي» وإمكانات التغيير التي يحملها هذا الدور في بلدان عربية أخرى، سقط دفعة واحدة إزاء قرار حكومة ديفيد كامرون التي بالتأكيد لن تتأثر سلباً أو إيجاباً بالنفوذ «الإخواني». لكنها في الوقت نفسه ترفع النقاش حول قضية «الإخوان» من مسألة جنائية إلى مسألة أيديولوجية. أي هل ينبغي محاكمة عضو في «الإخوان المسلمين» لإقدامه على عمل يخالف القانون أو لمجرد انتمائه إلى الجماعة؟ الواقع أن الأعضاء في «الإخوان» والذين لجأوا إلى الغرب، خصوصاً بريطانيا، كانوا الأكثر وعياً لهذا الجانب من المسألة، فاستغلوا قوانين حقوق الإنسان إلى أقصى حد، مراعين جانب عدم القيام بأي عمل في البلد المضيف لكن مع الانخراط الكامل في كل الأعمال الخارجة عن القانون في بلدان أخرى. وشهدت المحاكم البريطانية، بشكل خاص، معارك قضائية كثيرة في العقدين الماضيين لاسترداد متهمين في بلدانهم لاتهامهم بقضايا جنائية. لكن مع الموقف الجديد لبريطانيا الذي سيكون سابقة في أوروبا، ويتوقع أن تحذو حذوها بلدان أخرى، تنتهي هذه الثغرة القانونية التي كانت تحمي أعضاء «الإخوان» في بلدان لجوئهم. علماً أن هذا اللجوء لم يكن فقط يتعلق بحماية الحق الإنساني لهؤلاء، وإنما أيضاً جرى استغلال موقعهم الأيديولوجي في معارك داخلية في بلدانهم الأصلية ضد التيارات الأخرى من ليبرالية وديموقراطية ويسارية وقومية. لقد انكشف، إلى حد كبير، الجهاز الدفاعي لـ «الإخوان»، بعدما انكشف الدور السياسي. ولا تواجه الجماعة مضاعفات أخطائها في مصر فحسب، وإنما تواجه تبعات سياستها السابقة في البلدان العربية الأخرى، وصولاً إلى خطوطها الخلفية في الغرب. أسوأ ما يمكن أن تقدم عليه الجماعة، كتنظيم سياسي تاريخي، استخلاص أن واقعها الراهن هو نتيجة مؤامرة، رأس حربتها الحالية المؤسسة العسكرية المصرية، واستخلاص هذا الواقع هو نتيجة هذا التاريخ الذي ارتبط عضوياً بأيديولجيتها. وتبدو الجماعة، من خلال ردودها الحالية، أنها لا تزال تتمسك بسياستها وأساليبها السابقة التي تضعها حالياً في مواجهة الكثير من البلدان. إذ لا يكفي أن تبرر أوساطها بأن أطرافاً في «التحالف لدعم الشرعية» (أي الغطاء السياسي الذي اخترعه «الإخوان» لنشاطهم) هو المسؤول عن العنف، وأن هذه الأطراف بعضها يرد على تعرضه للاستهداف وبعضها الآخر يحمل فكراً جهادياً الخ.... وتالياً أن الجماعة غير معنية به. إن ذلك دفن علني للرأس في الرمال. بدل مواجهة هذه التطورات بإعادة نظر جذرية في الأيديولوجيا والسياسة والتنظيم الحزبي أيضاً. ومن دون إعادة النظر هذه ستواجه الجماعة مزيداً من الحظر ومزيداً من العزل، ولا يجد عناصرها سوى العنف الذي تربوا عليه وسيلة للرد على ذلك.